"تصفيات" ثورة الأرز: عيدو شهيد منبر الاستقلال
مساحة حرة JUN 13, 2019


  تكوّرت فكرة تكتّل الرّابع عشر من آذار في العام ألفين وخمسة من رحم المقاومة، حيث اجتمع كبار السّاسة اللّبنانيّين الذين سئموا الوصاية السّوريّة بُعيد اغتيال الرّئيس رفيق الحريري، وأطلقوا ما دُعي بثورة الأرز. فيا للصُّدف! ظهرت موجة تصفيةٍ طالت غالبًا كبار ناقدي ومنتقدي الوصاية السّوريّة، بدءًا من مروان حمادة إلى الرّئيس رفيق الحريري وجورج حاوي وسمير قصير، ثمّ جبران تويني وصولًا إلى بيار الجميّل. وكيف ننسى محاولة اغتيال الرّفيقة الوزيرة ميّ شدياق ومحاولة اغتيال إلياس المرّ؟ الشّهيد وليد عيدو أحد رموز هذا التّكتّل وأحد ضحايا موجة التّصفيات. فقد حمل مشعل الكفاح والتّفاني بوجه الطاغية لتحقيق استقلال لبنان وسيادته حتّى الشّهادة. أبدى اهتمامًا كبيرًا لمسألة القرار ١٥٥٧ الذي نصّ على تفويض إنشاء محكمة لبنانيّة - دوليّة مختلطة، للتّحقيق في المشتبه بهم بحادثة اغتيال الحريري. فبعد ثلاثة أيّام من بدء التّنفيذ، حلّت الكارثة: رجل الكلمة الحرّة وليد عيدو في ذمّة الله.
شغر عيدو مناصب إداريّةً وقانونيّةً عدّةً في عهده عُرف من خلالها بنزاهته واستقامته، من منصب مدّعي عام شمال لبنان إلى رئيس محكمة الاستئناف فرآسة لجنة الدّفاع في البرلمان. بُعيْد الانسحاب السّوري من لبنان، تحوّل عيدو إلى أولى النّاقدين للرّئيس السّوري بشّار الأسد والرّئيس اللّبناني السّابق إميل لحود في عهد الوصاية. فحثّ رئيس الحكومة اللّبنانيّ فؤاد السّنيورة على استبدال الوزراء المستقيلين آنذاك لاعتباره أنّ استقالتهم ساخرةٌ، وهي تشلّ عمل الحكومة وتعرقل البلد. عُرف عيدو بفارس الكلمة في البرلمان اللّبنانيّ لجرأته وجسارته في الحديث. وعُرف أيضًا بحكمته وحبّه لأرضه، فلعب دور الجنديّ المجهول أثناء ترقّيه في مناصبه، إلى أن سطع نجمه في محاولاته العديدة للتّخلص من عهد الوصاية السّوريّة وحكوماته الزّائفة، وذلك في انتفاضة الاستقلال المباركة عام ألفين وخمسة.
  مضت اثنا عشر سنةً اليوم على اغتياله بحادثة تفجيرٍ مفجعةٍ. حادثةٌ، كالعادة، لم نر منها سوى حرب تراشق تهمٍ وتملّصٍ من المسؤوليّات. ثمّ انطفأت، وأصبحت تمرّ في البال مرور الكرام. ها هو اليوم ينعم بالرّاحة الأبديّة مع ابنه في سرمديّةٍ ما. ها هو اليوم صفحةٌ مطويّةٌ في طيّات الوجدان والذاكرة. بشهادته، انضمّ إلى قافلة شهداءٍ سبقه إليها قبل عامٍ وأربعة أشهرٍ، صديقه المقرّب الرّئيس رفيق الحريري وشهداء الرّابع عشر من آذار.
   في الثّالث عشر من حزيران عام ألفين وسبعة، قبضت يد الارهاب على روح وليد عيدو ونجله البكر، وأودت بحياة أربعة آخرين. رسالة التّفجير كانت واضحةٌ. إنّها موجّهةٌ ليس فقط لانقاص عدد نوّاب البرلمان وتعطيل عمليّة انتخاب رئيس الجمهوريّة الشرعيّ للبنان وفقًا للدستور والقوانين. والهدف منها ليس تأجيجًا للفتنة وهزًّا للاستقرار الأمنيّ وإرباكًا للحكومة الشّرعيّة فحسب، بل في الدرجة الأولى تهديدًا وردًّا على مجلس الأمن الدوليّ. جاءت في توقيتها ذاك تحديدًا ليس فقط للرّد على قرار المحكمة الدوليّة، وإنّما على القرار الرّئاسي الذي صدر عن مجلس الأمن قبل يومين بالإجماع، متّهمًا سوريا وإيران بتهريب السّلاح إلى لبنان لزعزعة استقراره.
إلى اليوم، لم نعرف من قام باغتياله ولمَ. إلى اليوم، جُلّ ما اهتدينا إليه هو أنّ موجة التّصفيات هذه طالت غالبًا ناقدي ومعارضي النّظام والوصاية السّوريّين. إلى اليوم، لم نعرف من كان السّبب وراء التّفجيرات التي طالت لبنان وأوجهه السّياسيّة منذ عام ألفين وأربعة حتّى اليوم. فهل ينام المرتكبون تحت ركام تفجيراتهم، أم يحضّرون لزعزعاتٍ أخرى في الوطن؟

مساحة حرة JUN 13, 2019
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد