هل أخطأ جعجع بإسقاط الاتفاق الثلاثي؟
الموقف JAN 15, 2018

يعتبر تاريخ 15 كانون الثاني يوماً استثنائياً في تاريخ القوات اللبنانية، فيتذكره القواتيون على انه يوم مجيد ومثالاً على قدرة المجموعات الصغيرة على تحدي القوى الكبرى اذا واجهت بإصرار وعزيمة وتنظيم. لكن هل فعلاً حققت القوات بقيادة سمير جعجع إنجازاً بإسقاط هذا الإتفاق؟ أما ان الحكيم ارتكب خطأً بمعارضة قرار المجلس الحربي الذي صوت بأكثريته لصالح الاتفاق؟ 


من البديهي القول ان الحروب التي تلت إسقاط الإتفاق الثلاثي كانت كارثية على المسيحيين لا تزال ندوبها ليومنا هذا. فلو لم يسقط هذا الإتفاق لكان بامكانه إنهاء الحرب، لأنه وقّع من قبل الميليشيات الاساسية حينها. 


كان بامكان المسيحيين ايضاً ان يتمتعوا بوضعية أفضل في السلطة وبصلاحيات أكثر. فعوض ان يكونوا الطرف المهمش كما حصل بعد الإحتلال السوري عام 1990، كان بامكانهم وضع الطائفة السنية في وضع الضحية وتقاسم صلاحياتها كونها الوحيدة التي بقيت خارج الإتفاق. 


لا بل أكثر من ذلك، لو لم يسقط هذا الاتفاق لكان من الصعب على حزب الله بناء منظومة عسكرية كما هي اليوم. فتعزيز قوة حركة "أمل" داخل الطائفة الشيعية التي كانت بمواجهة تمدد حزب الله مدعومة من النظام اللبناني لو وقّع الاتفاق، كان سيضع حزب الله في وجه المنظومة اللبنانية بأكملها ويصعب مهمته. 


بالرغم من هذه الإيجابيات، قرر سمير جعجع السير بوجه هذا الإتفاق، عملياً سار وحيداً وخلفه "القوات" لإسقاطه. فلماذا؟ 


اذا اراد المسيحيون في لبنان التخلي عن قرارهم السياسي وحرية تقرير مصيرهم كان الأنفع لهم السير بالإتفاق الثلاثي. حينها يستطيعون التمتع ببعض الصلاحيات الشكلية كتعيين موظف من هنا وشق طريق من هناك، لكنهم سيصبحون تابعين بالكامل للنظام السوري الذي رعى هذا الإتفاق. فبند العلاقات المميزة مع سوريا، يجبر اللبنانيين على "التنسيق" بشكل كامل مع هذا النظام في كل ما يتعلق بسياسته الخارجية. فهل تتخيلون لبنان معزولاً عن محيطه ومعادياً للمجتمع الغربي إرضاءً للرغبات البعثية؟ 


واذا اراد المسيحيون التخلي عن الديمقراطية  في لبنان فالطريق الأسهل لهم هو هذا الإتفاق، الذي اعتبر (أيضا من خلال بند العلاقات المميزة ) أن أمن لبنان جزأ لا يتجزأ من أمن سوريا وكلنا يعرف كيف تدار المسائل الأمنية لدى النظام القمعي وما أوصلت إليه من حروب. 


أخيراً، إذا أراد المسيحيون التخلي عن لبنان وضمه الى سوريا فلا سبيل لهم سوى إتفاقٍ مشابه الذي كان سيسمح للسوريين بالانتشار عسكرياً في لبنان تحت حجة المواجهة مع اسرائيل. بذلك نصبح محافظة سورية مسلوبة القرار السياسي والعسكري. 


لا ننسى أخيراً أن طائفة أساسية لم تشارك بهذا الإتفاق، والجميع يعلم خطورة إقصاء طائفة عن القرار في لبنان والسلبيات التي تنتجه.


صحيح ان بعض الخيارات التي إتخذتها القوات اللبنانية خلال تاريخها لم تكن صائبة، لكن من النادر إيجاد خيارات استراتيجية صائبة الى هذا الحد كخيار اسقاط الإتفاق الثلاثي.

الموقف JAN 15, 2018
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد