هل الوطن على "كفّ عفريت"؟
تحقيق DEC 07, 2018

هل يصّح لنا القول إنّ لبناننا على "كفّ عفريت"؟ هل قُدِّر لأرضنا أن تبقى رهينةَ التّشرذم السياسيّ؟ إلى متى سيظلّ الخوف من الغد يسيّطر على نفوس اللّبنانيّين؟ كثيرةٌ هي الأسئلة التي لطالما طرحها اللّبنانيّون على أنفسهم وعلى حكّامهم، ولكن حتّى الآن لم يتلقّوا أيّة إجابةٍ صريحةٍ.

وإن ألقينا نظرةً سريعةً على الحالة التي بلغناها، لا يسعنا القول إلّا إنّ الأوضاع السّائدة تُثقل من كاهل اللّبنانيّين، وكأنّنا بحاجةٍ إلى المزيد من الأزمات والهموم اليوميّة. فمنذ أن أبصر العهد الحالي النّورَ، بات اللّبنانيّون يعيشون على أملٍ جديدٍ لعلّه يُنقذهم من التّزعزع السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ. ومع هذا العهد، وضع المواطنون كلّ آمالهم بولادة الحكومة الجديدة؛ حكومة العهد التي طال انتظارها والتي ستسعى جاهدةً إلى انتشال لبنان من كافة الأزمات. ولكن منذ ٦ أيّار ٢٠١٨، ما انفكت العراقيل، داخليةً كانت أم خارجيةً، تؤخّر تشكيل الحكومة اللّبنانيّة المرتقبة. وفي هذا الصدد، صرّح الكثيرون عن مطالبهم وتسابقت الآراء حول العقد وحلّها، لاسيّما حين اتّهم العديد من السياسيّين حزب القوّات اللّبنانيّة واعتبروه السبب الرئيسي الذي يُعرقل ولادة الحكومة. وكثيرًا ما قيل للحزب أيضًا إمّا أن يُشارك وإمّا ستتألّف الحكومة من دونه. ولكن سرعان ما توضّح أنّ عقدة "القوّات اللّبنانيّة" لم تكن بعقدةٍ حقيقية، بل العقدة الأساسيّة المبطنة تتستّر وراء مطالب أخرى باتت تُعرف اليوم بمطلب السُنّة المستقلّين أو بالعقدة السنّية. 

والسؤال يطرح نفسه، لماذا لا نسمع اليوم أيّ بيانٍ أو تصريحٍ موّجهًا إلى هؤلاء السنّة وداعمهم، ويُقال فيه كما سبق وقيل لل"قوّات": "إمّا أن تشاركوا وإمّا ستتألّف الحكومة بمن حضر!" هل يكمن أيّ خوفٍ من الحزب أو الجهة المطالبة؟ أم ثمّة اعتباراتٍ أو محسوبياتٍ من نوعٍ آخر؟ فليحضر من يشاء وليُشارك في هذه الحكومة من يُريد. إذ لا يُعدّ الانتظار طويلًا لتشكيل الحكومة من مصلحة أحد، وكلّ يومٍ تغيب عنه الحكومة الجديدة يزيد من حدّة الأوضاع الراهنة لاسيّما الوضعين المالي والاقتصادي، ناهيك عن ارتفاع نسبة البطالة وتراجع نسبة النموّ.

وكيف لنا أن نتناول الأوضاع السياسيّة من دون التطرّق إلى الحالة الأمنية التي شهدتها بعض الشوارع اللّبنانيّة على أثر التّهجمات الأخيرة بين سياسيّين ومناصريهما. فهل تؤكّد الحادثة التي وقعت في منطقة الجاهليّة على أنّ مازال بعض اللّبنانيّين وحكّامهم يعيشون في عصر الجاهليّة عشية الـ٢٠١٩؟ ولماذا لم يمثل المدّعى عليه وئام وهاب أمام القضاء؟ علمًا بأنّه ليس الأوّل من يمتنع عن المثول أمام القضاء. فكثيرون وبدعمٍ من حزبٍ سياسي، قد سبقوه في "التّباهي" بعدم المثول أمام السلطات القضائية. كما لا يختلف عاقلان على أنّ هذه الحادثة تُهدّد الأمن والسّلم الأهلي. وليس من المقبول أبدًا اليوم تهديد رجلٍ سياسي بحزبٍ لا يهدف إلّا إلى تحويل لبنان إلى دولةٍ ضعيفة فاقدة للسيادة، تشبه احلامه وتصبو نحو تطلعاته. فالهروب من استدعاء القوى الأمنية وطلب الحماية من حزب الله وسلاحه غير الشرعي هو انتهاك للدولة وللقانون.

وتبعًا للأوضاع السياسيّة والاقتصاديّة والأمنية، اسمحوا لي بالقول إنّ لبنان فعلًا واقفٌ على "كفّ عفريت". لبناننا على حافة الانهيار. إذ لا تتحمّل الأوضاع الراهنة أيّ أزمةٍ أو تهجّم جديد، ولا تستطيع الدولة اللبنانيّة أن تواجه المزيد من أحداثٍ تُهدّد بسقوطها وكيانها وهيبتها، ولم يعد المواطن اللّبناني بإمكانه أن يقع وحده الضحية وأن يدفع ثمن الفوضى التي تهيّمن على البلاد.

تحقيق DEC 07, 2018
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد