باتفاقه المشؤوم وتحالفاته "الشيطانية"، ساهم في تعاظم الدويلة على حساب الدولة وانتزع السيادة والقرار من الجيش. بحساباته الضيقة وطموحاته الرئاسية، جرّد الجمهورية من مفهومها تحت ذريعة الصلاحيات. واليوم، بـ"سلبطته" يدق آخر مسمار في نعش الدولة اللبنانية؛ وتجلّى ذلك في انقلاب دولة "الإصلاح والتغيير" ضد القانون والدستور واستخدام الصلاحيات وفق اعتبارات سياسية بحتة.
شهد لبنان في الأيام القليلة السابقة أزمة جديدة تُضاف إلى أزماته الخانقة، طالت أحد أهم أركان الدولة، وهو القضاء. انهيار كان أشبه بسيناريو لمسرحية أُعدّ في كواليس اللعبة السياسية القذرة؛ فأصبح القضاء في قبضة السياسيين الذين أرادوا عن سابق تصور وتصميم إبعاده عن أهدافه في إحقاق الحق وتبيان الحقيقة وصون القوانين وتنفيذها. إذا يشكل القضاء الخط الدفاع الأول عن الدولة والمواطن والسد المنيع في حماية القانون والملاذ الأخير للدولة في حمايتها من الفساد والمافيات. وهنا يصح القول بأن الدولة السليمة في القضاء السليم.
نعم، صدقوا أو لا تصدقوا، الفريق الذي لم يفرج حتى الآن عن التشكيلات القضائية وفقاً لمعايير الكفاءة والاستقامة خدمة لذراعه القضائي الذي يتمتع بضوء أخضر يخوله تصفية حسابات سياسية مع الخصوم وكل من يهاجم العهد أو يعترض الطريق أمام طموحات الصهر الرئاسية، هو نفسه اليوم، يطالب باستقلالية القضاء. صدقوا أو لا تصدقوا، الفريق المتهم بالفساد الذي فرضت عليه عقوبات دولية، هو نفسه اليوم يركب موجة الامتعاض الشعبية ويحاول من خلال عمليات غش واضحة المعالم إظهار أنه يحارب الفساد، فاستحق عن جدارة لقب "دون كيشوت السلطة" وقصته مع طواحين الفساد.
العراضات التي شهدناها وساهمت في ضرب هيبة القضاء لم تكن لتحصل لولا فائض القوة والاستقواء السياسي. استعراض وبطولات وهمية سُوّقت بغية صرف النظر عن الإخفاقات في معارك مكافحة الفساد المزيفة. مشاهد غير مسبوقة أظهرت عيوب الجسم القضائي وكشفت أن بعض القضاة هم مجرد أداة يعملون وفق أجندات سياسية. وفي ظلّ هؤلاء القضاة، لا يمكن بناء سلطة قضائية مستقلة تعلو قوامها فوق كل رغبة أو جنوح، الأمر الذي ساهم في حجب الثقة التي تشكل من دون منازع، مفتاح الاستقرار ونهوض لبنان ومؤسساته. كيف لا وقد ظهر القضاء في إطار استنسابي لا استقلالي، ترافق مع خرق للقانون والأخلاق القضائية وضرب قرارات مجلس القضاء الأعلى بعرض الحائط.
ووسط حملات التدمير الممنهجة لكل مؤسسات الدولة، وإدخال السلطة القضائية في البازار السياسي والمعارك السياسية الطاحنة، ودفع الطبقة السياسية الحاكمة المستمر باتجاه جهنم، يبقى الخلاص الوحيد في تغيير هذه السلطة وإعادة إنتاج مجلس نيابي جديد بأكثرية نيابية جديدة ينبثق عنها رئيس جديد وحكومة جديدة قادرة على تطبيق الإصلاحات اللازمة للنهوض بالبلد ونيل الثقة العربية والدولية.