أمام عظمته وحده يجفّ حبر القلم خجلاً ويشعر المرء بعقم أفكاره رهبةً. فمهما خطّت أيادينا لن تستطيع إيفاء ولو شيء رمزيّ من الكثير المطلوب تجاهه.
جامع القداسة بالهيبة، المحبة بالقوّة، الحزم بالرحمة، والأمل في حقبة انعدام الرؤية... سمع دعوة الله له، فأطاع طاعة المسيح حتّى الصليب! لخّص التاريخ بشخصه النبويّ، فاستحقّ مجد لبنان الذي أُعطي له!
كم نفتقدك ودور بكركي التاريخيّ في زمن الإحتلال الأخطر هذا؛ احتلال اليأس لنفوس المقاومين واحتلال الجهل لنفوس بعض الحكّام.
إرتَدِ ثوب النضال واضرب بعصا حكمتك يا سيّدنا. أنعِم على لبنان بكلمة واحدة من حزمك المعهود في هذا الزمن الرديء لتهزّ أنانيّة أبراج عاجِهم فتُعيدهم إلى صوابيّة الخيار وتنتفض ضمائر المناضلين الثائرة من تحت رماد الطغيان؛ طغيان السلطويّة والشعبويّة، وهما وجهان لعملة واحدة.
مرّات ومرّات اصطدمت مواقفك الحازمة بعنجهيّة من ظنّ نفسه ولازال. وكأنّ مجد البطريركيّة المارونيّة التي خطّت وطن الحريّة والكرامة يقوم على مذلّة الإنسان. فظنّوا أنّه لا مفرّ من التخلّص من هذا "الوسيط" بين الله والانسان إلّا بتأليه الذات. حينها تأرجح مصير مجتمع وجماعة تاريخيّة ما بين محتلّ طامع وطالب سلطة أرضيّة محاطاً بجموع غافلة.
إسمح لنا، يا سيّدنا وأبا كُلِّنا، أن نعتذر عن خطأ غيرنا، ذاك الذي بدل أن يصحّح خطأه، بل خطيئته، زاد الطين بلّة باثًّا حقده من جديد. رمى مسؤوليّة فعلته العُظمى على ظهر من هم منها براء، فزاد على عبئها إصراره على الحقد. إسمح لنا أن نتوب بدل أولئك المماليك الجدد، بل الفرّيسيّين الجدد...
إسمح لنا، يا أبانا البطريرك، يا قربان القضيّة، أن نعتذر لحبّنا الأنانيّ تجاه غبطتك... إنّ لبنان بحاجةٍ لصلاتك، يا أيُّها المتمرِّد أبدًا كأرز لبنان.
ها هو صوته يحفر درب الاستقلال في حقبة الطغيان بإزميل إرادته، حتّى حطم صخور الحقد على قساوتها وبنى بفتاتها جسر "لبنان أوّلاً" الذي يجمع لبنانيّين فرّقتهم وصاية "فرّق تسد".
أطال الله عمرك أبانا البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، بوصلتنا الروحيّة لدرب النضال الطويل... أنت البطريرك حيث لا يجرؤ الآخرون... أنت بطريرك المقاومة اليوحنّا-مارونيّة... استعدتَ استقلال لبنان وكرامته، فحطّمت وصاية الجدران بين المواطنين لتثبت من جديد أنّ مجد لبنان أعطي لك!