يتّفق اللبنانيون على أنّ شقًّا كبيرًا من الحياة السياسيّة في لبنان تعاني خللًا ومشاكل على صعد عديدة، من الفساد والرشوة وصولًا إلى الزبائنية وغيرها من عوامل أوصلتنا إلى الخراب الذي يحيطنا اليوم. وقد يجادل المرء أنّ في عمق هذه المشاكل ثمّة رابط مشترك يكمن في عدم المحاسبة. إذ لا يمكن الحديث عن نظام ديمقراطي وحرية من دون المحاسبة التي تنبع من المعرفة الصادقة التي يحصل عليها الناخب. وأدّى هذا التعتيم عن المعرفة إلى تفجير الوضع، الأمر الذي كان من أحد الأسباب لبروز شعار انتفاضة 17 تشرين "كلن يعني كلن". فالحقيقة هي أنّ اللبنانيّين فقدوا الثقة ببعض ممثليهم لأنّهم لا يدرون ما يحدث فعليًّا في مراكز القرار السياسي.
وفي هذا السياق، أشار عضو تكتل الجمهورية القوية النائب جورج عقيص في حديث إلى موقعنا، إلى أنّ "على الرغم من أن الجلسات النيابية المهمة كجلسات الثقة والموازنة تنقل مباشرةً عبر الإعلام ويسمح بتواجد الصحافيين، إلّا أنّ المشكلة هي في "المطبخ التّشريعي الفعلي" حيث تكون نقاشات في اللجان النيابية سريّة، وقلّما تكون فعليًّا دراسة قانون بأكمله في الهيئة العامّة؛ لكنّ الأمر يقتصر على اللّجان".
وذكّر أنّه سبق وتقدم "في تاريخ 11 شباط 2019 باقتراح قانون لتعديل المادة 34 من النظام الداخلي لمجلس النواب التي تنص على أنّ جلسات اللّجان وأعمالها ومحاضرها ووقائع المناقشة والتصويت سريّة، ما لم تقرر اللجنة خلاف ذلك. ويرمي هذا التعديل إلى قلب القانون، فيصبح المبدأ أن تكون الجلسات علنية وجعل القاعدة القديم أيّ السّرية لحالات معيّنة كمناقشة أمور تتعلق بالأمن القومي". وأضاف قائلًا "مع الأسف ثمّة سياسة داخل هيئة المجلس ترفض البحث حاليًّا في تعديلات جزئية للنظام الداخلي، إنّما يجب أن يكون تعديل النظام شامل".
وأكّد أنّ "مشكلة الشفافية أعمق بكثير؛ فما من تصويت إلكتروني في المجلس ليتبيّن للناخب حقيقة تصرفات ممثليه، كما لا يذكر في محاضر الجلسات من صوّت مع قانون معيّن أو ضدّه. والأخطر أنّ أغلب الوزارات والإدارات والمؤسسات تمتنع عن تطبيق قانون حقّ الوصول إلى المعلومات". وتابع كلامه قائلًا "حتى لو أصبحت أعمال اللجان علنية، لا تكتمل حلقة الشفافية إلّا إذا اعتُمد التصويت الإلكتروني. إذ قد يجوز أن يعبّر نائب معيّن عن موقف خلال المناقشة داخل اللجان ويصوّت عكسه، في حال غياب أيّ مراقبة أو إثبات".
وختم عقيص مشيرًا إلى أنّ "لتحقيق المصالحة مع الرأي العام واستعادة ثقة المواطن بمؤسساته ولتحقيق الشفافية الفعلية والحكمة الرشيدة للدولة، يجب أن تصبح أعمال اللجان علنية كما يجري في أهم الدول الديمقراطية كفرنسا، ويجب أن يُعتمد التصويت الإلكتروني واستصدار المراسيم التطبيقية لقانون حقّ الوصول إلى المعلومات، لأنّ من حق الناخب وواجبه معرفة الحقيقة".
ومن هنا لا يستغرب موقف "القوّات اللبنانيّة" بالمطالبة بهذه العلنية لألّا يصبح رجل الدولة في نفس الخانة مع الفاسد، مع التشديد على "كلن يعني كلن أمام القضاء". فقد حان الوقت لنور الحقيقة أن يضيء غرف السريّة المظلمة.