الأمّ
مساحة حرة MAR 21, 2019

الأمّ؟ وكيف عساني أن أخطّ بسطورٍ معدودة عن سيّدةٍ خشنت أناملها كي تنعم أنامل أولادها؟ وكيف لأبجديّةٍ محدودةٍ أن تصف تلك التي رسم السّهاد تجعيداتٍ جميلةً تحت بؤبؤيها وعلى جبينها وعند مبسم ثغرها؟ هل أنصفها إذا شكرتها في عيد الأمّ؟ فهي التي حُرّم عليها الغفو متى شكى طفلها من علّةٍ أو مرض، والتي اهترأ كيانها كي تكبّر وتعلّم وتثقّف. هي التي أطاحت بشبابها كي تنجب وتتحمّل آلام المخاض بكلّ فرحٍ واعتزاز. لا تتعجّب، فتلك المرأة هي الأمّ.
استثنائيّة بشخصيّتها وجبّارة بقراراتها وبطلة بصمودها. يخلد ابنها إلى فراشه كلّ يومٍ وهو يعلم أنّ جفنها لن يرفّ حتّى يغفو بسكينة. إن شكى من سعالٍ خفيفٍ تأهّبت حاضرة ناضرة، وتلحق به من غرفةٍ إلى أخرى لتتأكّد أنّه لبس معطفه ولم ينسَ دوائه... بينما هي؟ كانت تعاني الأمرّين، من مرضٍ وهلاكٍ، وعلى الرغم من ذلك لم تتلكّأ ولو لمرّةٍ عن اهتمامها بعائلتها، ولم  تشتكِ يومًا من إرهاقها، ولم  تعتذر عن واجباتها أبدًا بحجّة المرض. هل يكفي عيد الأمّ لأخبرها بأنّها كنزٌ لا يُقدّر بثمنٍ؟
لا أعتبر عيد الأمّ عيدًا منصفًا بحقّ من ضحّت وتعبت وحملت ثقل هموم كلّ فردٍ من عائلتها. يُهرق العمر من أجلها ويبقى قليلًا. فكيف لي أن أكافي من حمت عائلتها كجدار الدّعم وانتصبت كالأرزة بوجه رياح الحياة؟ ماذا أقول عن أمٍّ أنجبت، وربّةِ منزلٍ دبّرت، ومعلّمةٍ درّست، وصديقةٍ أرشدت. وكيف للكلمات أن تخبر عن ملاكٍ جسّده الله بصورة امرأةٍ عصاميّة شرسة؟ 
يا من قيل عنك أنّك تهزّين المهد بيدٍ والعالم بالأخرى، أعايدك لأنّك هززتي الفلك وما وراء الأكوان. أعايدك لأنّ لك الفضل بكلّ ما ستؤول إليه حياتنا وما سيصبو إليه مستقبلنا. أعايدك لأنّك شععتي كالمصباح في حلاك الظّلمة، وبقيت عالية كالرّاية تلوّحين بدعواتك سماءنا. أعايدك لأنّك تصمدين كالقلعة في خضمّ المعارك اليوميّة. لأنّك رويت ظمأ المحن من عبق حنكتك، لأنّ المدرسة الأولى كانت في رحمك، والثّانية على صدرك والأخيرة في إرشادك. أعايدك اليوم وكلّ يوم، لأنّ يومًا واحدًا لا يكفي لأشكرك، يا من تقع الجنّة تحت أقدامك. 
   في البدء خلق الله آدم، ثمّ ارتأى أنّ العالم لم يكتمل، فخلقك من ضلع الخلق لتكوني حلّة المجتمع وأساس الكمال. كم أنت عظيمة ليكتمل بك الخلق! لن نجد وسادةً أنعم من حضنك، ولا أغنيةً تحاكي أرواحنا مثل نبضة قلبك. أنت عنوان الحبّ والعطف، فكيف لا نحبّ من بذلت نفسها في سبيلنا. أنت رمز التّضحية، فكيف لا نكرّم من ضحّت بنفسها كي نحيا قبل أن تعرفنا. أطالك الله عمرًا، ورحم كلّ أمٍّ سكنت فسيح جناته.

مساحة حرة MAR 21, 2019
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد