قيل إنّ العلم يرفع بيتاً لا عماد له، والجهل يهدم بيت العز والشرف. فما انفكت الحضارات على مرّ التّاريخ تنازع كي تحيا، واعتمدت بشكلٍ أساسيّ على اكتشافات علميّة تسهل حياتها اليوميّة، ومنها ما زالت مُعتمدةً حتّى يومنا الحالي، على الأغلب بصورة حديثة.
الهندسة، وتوالى هذا المصطلح بين أجيال جديدة ومن مرحلة بدائية، حتّى لمس مراحل متقدمة لا حدود لها. من هندسة بيتٍ من طين وعربات نقل للحجارة، إلى ناطحات سحاب وسيارات كهربائية وطائرات دولية، إنسانٌ واحدٌ في حقبات متتالية، يربطها دافع التطور.
في حديثنا عن يومنا الحالي، أصبحت الهندسة جذعاً صلباً في حياة المجتمع، يتكأ الجميع على قواعدها الجبرية والطبيعية وغيرها في تطبيق أعمالهم، ولا سيّما بحثاً عن ابتكارات جديدة تسهل أكثر أنماط العمل، ونذكر بذلك توسعًا كبيرًا في مجال الهندسة وتعدد فروعها، من مدنية وكهربائية وميكانكية وكيميائية وزراعية... نسلّط الضوء على هذه الفروع الهندسيّة للطالب الذي ينوي دراسة اختصاص محدّدٍ في جامعته، ويركز على مجال واحد في تنمية أفكاره وتحضير نفسه قبل دخول مجال العمل. قد يرى هذا الطالب أنّ في معظم عمله لاحقاً أنّ الحاجة تدعو إلى تنوع المهندسين من أكثر من مجال بغية إنشاء مشروع معيّن. فعلى سبيل المثال، يتطلب إنشاء أيّ مشروع سكني مهندسًا مدنيًّا ومعماريًّا وميكانيكيًّا وكهربائيًّا.
بالإضافة إلى ذلك، ينقسم دور المهندسين بين الاستشاري الذي يبدأ عمله منذ استلام الفكرة والبدء بتنفيذ المخططات الأوّليّة وطرحها على صاحب العمل، كالشؤون المالية واتّخاذ القرار، ثمّ الاستمرار بالإشراف على المخططات التأهيلية للحصول على الموافقات الرسميّة والقروض المصرفية. فتبدأ حينئذٍ المرحلة الأكثر جهدًا وهي المخططات التنفيذية حيث ينبغي على المهندس متابعة عمل بقية الأخصائيين لتفادي التصادمات التي قد تقع أثناء التنفيذ. أمّا المهنس التنفيذي فيبدأ عمله منذ استلامه الموقع والمباشرة بالتهيئة للعمل من خلال التخطيط اللوجستي وتهيئة الكوادر وإجراء الجداول الزمنية النهائية واختيار أسلوب التنفيذ مع مراعات تعليمات وقوانين السلامة والأمان ووضع الخطط المالية. وهنا يبدأ العمل الشّاق في تدقيق المخططات وآلية كما نفذها الاستشاري.
بالانتقال من الهندسة من مفهومها الشامل، ندخل بشكلٍ خاصّ ميدان الهندسة الميكانكية على سبيل المثال، كأحد أبرز الفروع في زمن التكنولوجيا والمكننة الصناعية. وُلد هذا الاختصاص من رحم القوى والحركة، فأُطلق عليه لقب علم الحيل الروحانية (الروحانية نسبة للطاقة)، ولمعت نتائجه وساهمت في نهضات اقتصادية في العديد من الدول. كما نذكر أنّ هذا الفرع ينقسم بدوره إلى محورين بحسب دراسته في الجامعات واحتوائه على علوم ومواد أساسيّة:
المحور الأوّل ويُصنّف بالصناعة، ولا سيّما حين نتحدث عن الآلات والأجهزة في المعامل والشركات، كذلك في المنازل، استناداً على دراسة علمي السكون والحركة، وميكانيك المواد، وشروط كيفية تصنيعها أو استعمالها، كما نظرية الآلات وطرق وتوصيل القطع والأجزاء للتحرك وفق آلية معينة.
المحور الثاني ويُصنّف بالطاقة، نذكر منها تكييف الهواء والتبريد، وتطلب دراسة الديناميك الحرارية وانتقال الحرارة، كما دراسة الغازات والموائع، فنواكبها كأنظمة في محركات وسائل النقل أو وسائل التدفئة والتبريد.
ونشدّد على ضروروة المهندس الميكانيكي على التعامل جانباً لقواعد أساسية لعلوم الكيمياء والكهرباء، كذلك بشكل أساسي على الرياضيات والفيزياء المتقدمة لما فيها من معادلات إلزامية.
أما في تنفيذ عمله، أضحى الحاسب الآلي بتطوره اللانهائي يشمل أنظمة قابلة للتجديد تسهل الأعمال الهندسية كرسم الخرائط الثنائية والثلاثية الأبعاد. فنحصل على نماذج أوضح للقطع المتوجب تصنيعها بعد أن يكون البرنامج قد قام بتحليلها والموافقة على حسن رسمها. وهكذا أصبح معيار الأمان أعلى وتكاليف العمل أدنى مع اختصار الوقت، كما يُمكن تحليل العديد من المواد حتى يقع استعمالها في المكان المناسب.
أخيراً، نذكّر أنه بإمكان العلوم أن تندمج. فمع تشكيل صلة بين الهندسة الميكانكية والطب، نحصد تطوّرًا ملحوظًا في مجال الطب الذي ارتكز في مراحله الأخيرة على الآلات الطبية التي خففت من حالات الوفيات والأمراض وساهمت في رفع معدل النمو البشري، وغيرها من العديد من الصلات التي لن تتوقف بل سنشهد في أيامنا التالية اكتشافات وتطورات أفضل.