انتهت الحرب، واستمرّت المعارك، وتستمرّ...
الموقف APR 14, 2017

يوم انتهت الحرب في  لبنان، بعد انعقاد اتفاق الطائف، ظنّ اللبنانيون أنّ المعارك انتهت، ولبنان الحلم على مشارف القرن الواحد والعشرين بات واقعاً. لكن الحقيقة أن الساعين إلى الإطباق على لبنان ما انكفؤوا يخطّطون لشرذمته، فانقضّوا على المسيحيين وزعمائهم قتلاً وتهجيراً ونفياً واعتقالاً، إلى أن انتفض اللّبنانيون بوجههم، وأخرجوهم إلى غير عودة. لكن الفساد والقوانين والإجراءات والتعيينات اللّتي أصدرتها الوصاية السورية في لبنان، ما زالت عائقاً بوجه قيام الدولة الفعليّة اللّبنانيّة، ولا زال الموالين لها من الداخل يسعون لتحقيق ما فشلت أن تحقّقه لسنين طويلة.


من هنا، تسعى هذه القوى الداخليّة للسيطرة على سلطات ومواقع الدولة، إمّا عبر السيطرة المباشرة، أو عبر تعطيلها وإفسادها وإفشالها، وقع نتيجة سياستها الفراغ الرئاسي لأكثر من سنتين إلى أن أنهيناه بالقوّة. واليوم نعود ونقف بوجههم في معركة أخرى، أهدافها قانون انتخابي يصحّح التمثيل ويعطي للمسيحيّين ما منحهم إيّاه اتفاق الطائف، وإجراء انتخابات نيابيّة تجدّد الطبقة السياسيّة المهترئة.


بعد إصرار الثنائي الشيعي المتمثّل بحزب الله وحركة أمل على فرض قانون النسبيّة على لبنان وفق دائرة واحدة، وتعذّر الوصول لأي قانون مشترك يحظى برضى معظم الأطراف اللبنانيّة، واقتراب موعد انتهاء ولاية المجلس النيابي الممدّد لنفسه مرّتين، تقدّم النائب نقولا فتوش باقتراح قانون يقضي بالتمديد للمجلس النيابي لسنة إضافية، الأمر الذي لم يعد مقبولاً والذي يشكّل ضربة موجعة للعهد الجديد المنطلق مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري وشريك العهد الأساسيّ حزب القوات اللبنانيّة.


شكّل القانون المقدّم تحدياً مهمّاً ومحاولة لضرب عهد العماد عون، فهو يعني أن هذه السلطة الجديدة فشلت في إجراء الانتخابات كما هي غير قادرة على الوقوف بوجه حزب الله وحركة أمل، ما دفع الثنائي المسيحي المتمثّل بحزب القوات اللبنانية وبالتيار الوطني الحر إلى التخطيط لإسقاطه وتوجيه رسالة مضادة وقويّة بمنع انعقاد الجلسة عبر موجة ضغط شعبية وإغلاق كل الطرقات المؤدية إلى وسط العاصمة بيروت. الضغط الشعبي الهائل اللذي قام بوجه القرار، ورفع صوت ضد الإستمرار بتهميش المسيحيين ومصادرة حقوقهم الواردة في اتفاق الطائف والدستور اللبناني، شكّل بيئة حاضنة ودافعاً وسنداً لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون ليأخذ قراراً تاريخياً يعيد للموقع المسيحي الأوّل في الجمهوريّة هيبتها. هو قرارٌ تاريخيّ لأنها المرّة الأولى في تاريخ لبنان الحديث، الّتي يأخذ بها الرئيس قراراً يقضي بتأجيل الجلسة وتعليق عمل المجلس النيابي لمدة شهر من تاريخه.


رافق موجة الغضب هذه إجماع وطنيّ حول أهدافها، فقامت بوجه التمديد أحزاب ومنظمات وتنظيمات كمنظمات المجتمع المدني. ولو أن هؤلاء سعوا لتشويه صورة الثنائي المسيحي عبر اتهامه بالشراكة مع الطبقة السياسيةّ وأن طرحهم غير منطقي بما أنهم ممثَّلون بنوّاب في مجلس الموّاب الممدّد لنفسه، فإن هذه التصريحات الخنفشارية تصبّ في خانة المصلحة الشخصيّة والدعاية السياسية الرخيصة.


اليوم، وبعد تعليق التظاهرات والاعتصامات الّتي كانت مقرّرة، وإلغائها، تبدأ معركة أخرى، أقسى وأشرس وأصعب، للوصول لقانون جديد، خلال شهر واحد، يحظى بموافقة معظم الأطراف السياسية ويصحّح التمثيل ويعيد للمسيحيّن ما حُرموا منه وقد منحهم إيّاه اتفاق الطائف، وعليهم بالوصول لقانون يسمح لهم بانتخاب أربعة وخمسين نائباً على الأقلّ.


إذاً ما زال الخطر متربّصاً بنا، وبلبنان الّذي لطالما حلمنا به وسعينا لإحيائه، وسنبقى يقظين مستعدّين، ومتى دق الخطر من جديد، سنكون بوجهه قوات.

الموقف APR 14, 2017
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد