نقلًا عن نشرة مجلة آفاق الشباب - العدد 86
انا الشهيد بصبّح عليكن أيلول...
سأقبّل اولا وجه امي، اعانق قلب ابي، أمرمغ يداي في ترابي المبللة من دمي، امممم شو حلوة ريحة هالتراب، تعتّقت بخمرتنا انا ورفاقي. اصلّب يدي على وجه يسوع، وهكذا يبدأ نهاري. احب ايلول. ورقه الاصفر المتطاير انذار لايام عاصفة بالحياة. يظن البعض انها ايام خريف وان الخريف موت الطبيعة، ابدا، ايلول مواسمنا حصيدتنا ارضنا المزروعة قمح السنابل "مش هيك يا باش؟ يخليلي قلبك، من نهار لـ وصلت انا لهون لعندك وارضنا عم تغزل حرير المقاومة. مواسم مواسم يا شيخ، والحصّادون والكرّامون اهلي واهلك وذاك الشعب المخمور بالنضال. شو ساحر ايلول يا ريّس، اهلي بيقولوا عنو غدار لان اخدك من بيناتن، ونحنا منجرّب نخبّرن من هون انك وايلول مزيج القمحة حين تتفلت من عنقها لتذهب طحينا خبزا الى معجن الجياع للكرامة".
يفتح الوسيم نافذة من سماء فسيحة، "شوعم تعمل امي اليوم، شو رح تطبخلي؟ بعدني بحب الورق عريش، وهنا في السماء اقصد كرمتي كل صباح واسكر من حب العذراء.
امي لا تحزني على فراقي، لم افارقك لحظة بعد، ودعك من تعداد سنين فراقي، الزمن هو عمر الحب يمّي وانا في قلبك حب لا متناهي. هنا يمّي السماء تحيطني بحب فائق الوصف، هنا تلك الام في ردائها الازرق تحاصرني بالامان وغمر الحب. لا تخافي علي، فانا لا أبرد ولا اعطش ولا اجوع ولن اتعرّض للخطر، دخلك خافي على حالك وابقي في الصحة والهناء لاجلي ارجوكِ. انا ورفاقي نعيش نضالنا لاجلكم هنا أتصدقين؟ اجل امي ما زلنا نلبس البدلة الزيتية، وحياة بيي بعد ما شلحناها ولا نهار، انها بدلة الحب يا غالية"...
يسمع دعسة تقترب، يقف الى نافذته، يتنهّد كمن يستنشق رذاذ شوقه، ينظر من شريطه الشفاف على الدنيا، يبتسم، ثم يضحك من اعماق اعماق قلبه "يا الله شو بحبكن"، يقترب منه احد رفاقه،"انظر، انظر الى الشباب تحت، شوف كيف معجوقين بقداسنا، ليك وردة الحكيم شو حلو لونها، احمر احمر خمري قاني بلون دمائنا تماما يا خيي، دخيل ربّك يا حكيم شو انك وفي". يذهب الى كأسه يملأه من خمرة المسيح، ويشربه جرعة واحدة "بدي انزل لعندن بلكي بساعدن". يختار التلة الصغيرة في ساحة معراب حيث يشرف على التفاصيل كافة. فجأة تعلو الموسيقى "وحياة لـ راحوا ويللي صاروا الحنين" يدخل شباب وصبايا كشاف الحرية بدعسات متوازنة مرصوصة، مرفوعي الرأس والهامة "يا قلبي انتو شو هالمنظر الحلو، انتو نحنا، انتو مشعلنا لـ ما رح ينطفي، انتو نبض الايام الجايي منا وفينا وبعدنا" وبدأ يرقص في ارضه مجنون في الريح والحرية وشعاع الضحكة وبدأ ينده "يمّي يمّي بعدنا هون ما رحنا، شوفي الحب الوفا النضال، شوفينا يمّي بوجوهن المرسومة ع العنفوان، اسمعينا يمّي بدعسات العز تخبط بالارض ويفور التراب مجد البقاء، هون نحنا يمّي ما فلّينا، اوعا الدمعة اوعا الزعل يا بيي خلّي دمعتَك للفخر، ليكي يمّي القوات وينن، ليكي الحب المفلوش بين ارض وسما وكلما صرخ حدن "نحنا القوات لـ فينا"، تنتفض شلوح ارزنا يمّي وتدل علينا بالمجد"، وبدأ يركض في الساحة الفسيحة ينده على رفاقه جميعا، شهيدا شهيدا اسما اسما مغروزة حروفهم شهب نار فوق تلك اليافطة اللامتناهية. كم شهيد؟ لا، بل كم مناضل حي؟ بالالاف. مش مهم مش مهم، وحياة لـ راحوا بعد ما رحنا، صرخ بضيائه الفسيح، وجلس بين حروف اسمه يستمع الى خطاب الحكيم، ويراقب لبنانه بعد استشهاده. كل حرف سمعه سقط فوق قلبه بلسما، "دمي ما راحت ضيعان، استشهدت لاجل الحرية والكرامة، وها هي القوات في قلبهما. ترابي لم يستباح، رويته طوعا لكي تبقى لنا فضيلة الحرية والايمان، وها هي سنديانات البقاء تزرع الوعر نضالا. لم تجف دمائي ولم تيبس تربتي، القواتيون يروونها من حكاياتهم اليومية، من نزاهتهم، شفافيتهم، نضالهم لاجل الدولة. انا متت عن الجمهورية لتبقى جمهورية وها هم رفاقي يصارعون طواحين الفساد والعمالة لتبقى ارضي رطبة نديّة طرية وليبقى لنا الربيع.
يا الله شو بحبكن. قلبي ما بيحمل هالقد. عملتوا مني ايقونة يا رفاقي وانا متلي متلكن كل لـ عملتوا اني حبيت وانتو عايشين عمق هالمحبة"....
تعب من غمر السعادة، نعس، قلبه الكبير ارهقه فائض العز والحب والوفاء، صعد الى التلة الصغيرة المقابلة، جلس تحت سنديانتها، بدأت اهدابه تسقط فوق نعاسه، اقترب منه رفيقه الشهيد "قوم يا خيي قوم نرجع ع البيت هلا امك العدرا بتفقدك"، ورجعا معا وكان الرفاق في انتظارهم يحملون كؤوسهم الممتلئة من مجد السماء "كاس ربكن يا قوات، رحنا وبعدنا في قوات يعني بعد ما رحنا، نطريني يمّي بعرس بلادنا"...