نقلًا عن نشرة مجلة آفاق الشباب - العدد 86
يعتبر بعض قليلي الإيمان بأن السلاح الأقوى هو الذخائر والصواريخ لأنهم لم يتعرفوا يوماً على سلاح الصوت الصارخ. يوم كانت الحاجة الى الذخائر والصواريخ تسلحنا، ويوم تبدلت الحاجة الى الصوت الحر تكلمنا. شهداء بالمئات والآلاف سقطوا على مذبح هذا الوطن ايماناً منهم بالحرية وحفاظاً على عرضهم وشرفهم.
مجرمون علقوا لبنان على خشبة، وطناً علّق على صليب العار لأكثر من ٢٠ عاماً، وطناً عايش آلام المسيح مرتين مرة في معارك الحرب ومرةً في الوصاية السورية. وصاية العار على الاحرار، وصاية الجهال على المتعلمين. من نبيل كسرواني، جوزيف شمالي، وجوزيف بو عاصي وصولاً إلى طلاب اخافوا سلطة الوصاية في كلمة الحق كلمة الحرية. رمزي عيراني، بيار بولس، وطوني ضو شهداءٌ على مذبح الحرية والعدالة والمساواة، شهداءٌ على مذبح السيادة والإستقلال، شهداء سقطوا ليعانقوا شهداء الحرب اللبنانية التي عرفت بحرب ال“٧٥».
رمزي عيراني مهندس مدني يعمل في شركة توتال في منطقة كليمنصو – الحمراء، متأهل من جوسلين الخوري وأب لإثنين ياسمينا وجاد. رجلٌ مقاوم غدر به السلاح في زمن السلم واقتادوه جاعلين من صندوق سيارته نعشه. كان رئيساً لدائرة الجامعة اللبنانية وهو من ساهم بنجاح القوات اللبنانية في نقابة المهندسين. قتلوا رمزي محاولين خنق مصلحة الطلاب، وجاهدين بتفكيك جسمها الحديدي وآملين على زعزعة قدرة الرفاق على المثابرة من اجل الاستقلال.
ظنوا بانهم نجحوا ولكنهم لم يتعرفوا بما فيه الكفاية على رمزي عيراني في ال١٣ يوم الذين خطفوه فيه، أو ربما لم يُسمح يومها لخاطفيه التكلم معه لأنهم لو فعلوا لكانوا قد عرفوا من هو رمزي وكلامه الوطني الذي كانوا يفقدونه. رمزي اعطى الروح للرفاق واعطاهم درساً بأننا لن ننخرط مع احد إلا والحكيم خارج الإعتقال، ربى بنا المحبة بداخل المجموعة، ونور شبابنا شباب الحرية الذي خاطبهم خطابهم الأخير في الجامعة اللبنانية – فرع الحقوق في ذكرى اعتقال الدكتور سمير جعجع قائلاً «اطلقوا سراح الدكتور سمير جعجع من دون قيدٍ أو شرط».
٢٠ أيار ٢٠٠٢ لم يكن نهاية الحلم الذي رسمه رمزي ولم يكن خاتمة الأحزان للقوات اللبنانية. فلم تجف دموع الأمهات والأبطال من استشهاد رمزي حتى أتى هذا اليوم الأسود الثاني الذي يفترض ان يكون يوم صلاة مع بداية الشهر المريمي المبارك. ١ أيار ٢٠٠٤ رئيس مصلحة الطلاب في حزب القوات اللبنانية شهيد يضاف على جدران الشرف، دكتور في إدارة الأعمال من جامعة القديس يوسف بالإشتراك مع جامعة السوربون. بيار رجلٌ تربى على تعاليم الكنيسة التي اثمرت إلتزامه بالقوات اللبنانية إيماناً به ببناء جمهورية قوية. سقط بيار شهيداً بجريمة شبيهة بإغتيال الشهيد رمزي عيراني وكأن القاتل واحد والمجرم واحد، وكأنها رسالة لجميع الطلاب الأحرار، إبتعدوا عن القوات اللبنانية وإذا كانت طريقة الحياة في لبنان لا تليق بكم فلكم كافة دول العالم. ولكن الشهيد رفض وقاوم حتى آخر نفس.
وبعدها بدأ حلم الشباب يتحقق، خرج السوريون من لبنان، خرج سمير جعجع من الاعتقال السياسي. بدأ اللبنانيون ينظرون عن كيفية إدارة الدولة اللبنانية وإعادة الحياة الى مراكزها. ولكن اللبنانيون ظنوا ان جرم السوريون قد رحل معهم، فبدأ الشهيد يسقط تلو الشهيد. رموز ١٤ من آذار حياتهم في خطر ودموع الأمهات وبكائهن سيد الشاشات. ولكن هناك رفيقٌ عرفته من خلال صوره، تمنى الاستشهاد كما استشهد الآخرون. وكانت جملته الشهيرة لأمه «انا مش متل كل هالشباب... انا مرح يوصلي نهار ربي عائلة». أراد الشهادة، إنه طوني ضو. طوني كان مرافقاً لأنطوان غانم وطالبٍ في مهنية الدكوانة، استشهد في ١٩ أيلول ٢٠٠٧، كان ذلك الشاب الطامح لتطبيق الحرية والسيادة والإستقلال. ورث من أبيه المقاومة ومن والدته المحبة، المحبة حتى الشهادة. وكذلك دونت مصلحة الطلاب شهيدها الثالث في زمن السلم الرفيق طوني ضو.
وهكذا بقيت مصلحة الطلاب في حزب القوات اللبنانية، مدرسة في المحبة الوطنية التي لم تبخل يوماً بإكمال واجباتها وحتى لو المصير كان الإستشهاد. وها هم رفاق رمزي، بيار وطوني، على نفس النهج، لم يتوقفوا عند استشهادهم، بل اكملوا المسيرة التي قد رسموها بدمائهم.