ليس غريبًا على من يطّلع على التاريخ ما يحدث اليوم. وعلى الرغم من الأحداث التاريخية التي لا تعيد نفسها، إلّا أنها تتشابه وتبقى الثوابت التاريخية رصينة، لا سيّما في بلد الأرز حيث الثوابت متجذرة في عمق هذه الأرض ووديانها الوعرة وجبالها الجبارة.
من يقرأ التاريخ يعرف جيدًا أن قلب لبنان هو بكركي وضمانة الكيان هي البطريركية المارونية التي لم تبخل مرّة عبر التاريخ بأيّة تضحية؛ فهي جاهزة دائمًا ببطاركتها المقاومين ورهبانها الشجعان لتلبيّة نداء الحق في سبيل القضية اللبنانية: بداية من مار يوحنا مارون مؤسس الكيان، مرورًا بالبطريرك الياس الحويك الذي تمكن بفضل إيمانه العميق وصليب القيامة أن يخرج بجبل لبنان بعد حرب عالمية ومجاعة وحصار، ويصنع منه لبنان الكبير الذي لطالما كان طموح اللبنانيّين، ووصولًا إلى بطريرك الاستقلال الثاني مار نصرالله بطرس صفير حارس الكيان ورجائه.
يحمل اليوم البطريرك مار بشارة بطرس الراعي شعلة المقاومة ويعيد صرح بكركي المقدس إلى الصدارة في الشؤون الوطنية، عبر خطابات سياسيّة تهدف إلى تصحيح المسار والمحافظة على الكيان اللبناني ودور لبنان الرسالة، كما وصفه البابا يوحنا بولس الثاني وذلك من خلال المطالبة بفك الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحر، بعدما أكد للرأي العام أن الشرعية مخطوفة والسلطة السياسية الحاكمة أسيرة حزب الله.
يبقى المطلب الأهم للراعي الحياد الإيجابي للبنان عوضًا عن دخول لعبة المحاور والارتهان إلى الخارج على حساب المصلحة الوطنية. لبنان النموذج للشرق والغرب بتعبير البطريرك الراعي، ومسؤوليّة في أعناقنا ووحده الحياد الذي هو الكيان اللبناني سيمكننا من لعب دور الرسالة وسيسمح لنا صيانة دور لبنان لملتقى الديانات والمذاهب وجسر ثقافي وتجاري بين الشرق والغرب.
يُعدّ الالتفاف الوطني حول مطالب البطريرك أكبر دلالة على صواب هذه المطالب ودور بكركي الجامع والعابر للمصالح الطائفية الصغيرة. ومن هنا تأتي زيارات الوفود القواتيّة للبطريرك بهدف التشديد على دعمه في مواقفه كأمر طبيعي لهذا الحزب الذي قدم آلاف الشهداء والمصابين في سبيل الدفاع عن لبنان الكرامة والرسالة. وهذه ليست المرة الأولى التي تتطابق فيه خطابات بكركي و"القوات اللبنانية"، لا سيّما فيما يتعلق بالأمور السيادية للبنان والخيارات المصيرية التي يجب اتخاذها؛ فتكون بكركي الصخرة التي يبنى عليها هذا الوطن و"القوات" حارسها.
نعم، مجد لبنان أعطي له ويبقى هو حيث لا يجرؤ الآخرون.