منذ بداية الحرب اللبنانية حتى ربيع 1977، اقتصرت المعارك المباشرة بين أحزاب الجبهة اللبنانية والتنظيمات المسلحة الفلسطينية، وكان للجيش السوري دورًا للتمويل من دون مشاركة عسكرية مباشرة، لكن سرعان ما تبدل هذا الواقع مع معركة بلّا التي ظهرت من خلالها غاية السوريين الحقيقية من دخول لبنان. وبعد توترات متفرقة بين أحزاب الجبهة اللبنانية والقوات السورية في الشوف، انتقل الاحتقان إلى منطقة جبة بشري التي بقيت حتى منتصف أيار 1977 خالية من الوجود السوري، ما سمح للجبهة اللبنانية وأحزابها بالتنقل بحرية ملحوظة.
لكن هذا الوضع تبدل مساء 14 أيار 1977، يوم قرر السوريون اختراق المنطقة من خلال إرسال دورية إلى قرية بلّا بحجة مطاردة بعض أبنائها، ما أثار استفزاز أهالي المنطقة فتصدوا للدورية بمؤازرة مجموعة من ثكنة الـ"S. K. S" المجاورة. فاستطاعوا قتل عدد من عناصر الدورية وحرق آلية "BTR" ومصادرة أخرى. وعلى الفور ازداد الجو توترًا في المنطقة واستقدم السوريون تعزيزات عسكرية ونشروا المدافع والراجمات في محيط بلدتي بلّا وعبدين تحضيرًا لهجوم شامل على البلدة. مع ساعات الفجر الأولى وما إن أنهى السوريون تحضيراتهم للهجوم، حتى وصل سمير جعجع إلى أرض المعركة ووضع خطة الدفاع ونشر الكمائن ونظّم القوات الموجودة في المنطقة.
انطلق الهجوم السوري على القرية صباحًا وراحوا يمطرون سماء بلّا بالصواريخ والقذائف، وكعادتهم ويدفعون بأعداد هائلة من المقاتلين إلى أرض المعركة، محاولين اقتحام القرية التي لم يتخطَ عدد المقاومين فيها المئة. وعلى الرغم من التباين الملحوظ في الحجم والقدرة العسكرية بين طرفَيْ النزاع، إلا أن بلّا صمدت بشجاعة أبنائها وأفشلت كل محاولات الاقتحام. سارع السوريون لإنهاء المعركة بعد تكبدهم خسائر بشرية ومادية فادحة نتيجة المقاومة التي واجهتهم عند مداخل البلدة، بالإضافة إلى الكمائن التي تعرضوا لها في كل من بيت منذر وحدشيت وحوقا.
بصمود بضعة رجال أحرار في وجه الطاغوت، صمدت قرية صغيرة أمام جيش همجي لا يعرف الرحمة، مسطرةً أول فصل من ملحمة مقاومة اللبنانيين لجيش الأسد، لتعود هذه المقاومة وتكتمل لاحقًا على أبواب الأشرفية وفوق جبال زحلة، قائلة للتاريخ إن في هذا الشرق شعب عشق أرضه والحرية واتخذ قرار البقاء... وسيبقى.