غالباً ما كان وجود "القوات اللبنانية" وسمير جعجع إزعاجاً لكل من يسعى للإنقضاض على الدولة اللبنانية. خصوصاً أن كل المحاولات للقضاء عليهم، أو إشراكهم في اللعبة الصفراء، أو حتى عزلهم عن اللعبة السياسية باءت بالفشل. لم يكن للقوات اللبنانية يوماً سلام. ربما فترات قصيرة بين الحين والآخر، كإستراحة المقاتل فقط، تمنحنا إياها ظروف سياسية معيّنة. لكن ما من استراحة إلّا وتليها المعارك والمواجهات. هكذا كنا عبر التاريخ وهكذا سنبقى.
للقوات اللبنانية مشروع واضح، وهدف واضح. واليد الممدودة دائما في كل الإتجاهات، لا تحمل في كفّها إلّا هذا المشروع وهذا الهدف. أمّا اليد المرفوعة بوجه الجميع على حدّ سواء هي لحماية هذا المشروع أيضاً. من أراد المشاركة في مشروع لبنان فنحن أشرف الحلفاء، ومن أراد مواجهته فنحن أشرس الخصوم.
هكذا تحيك "القوات اللبنانية" لعبتها السياسية وتحالفاتها. فتراها يوماً تهاجم هذا الفريق أو ذاك، ويوماّ آخر تعيد فتح المجال لإعادة إشراكه في هذا المشروع. أمّا الحلف الراسخ مع تيار "المستقبل" فهو بمنأى عن كل التجاذبات والمواجهات. نعيش اليوم مواجهة جديدة بعد أن كنّا رسينا على صيغة تسوية مرحلية بدأت بانتخاب الرئيس ميشال عون، وتشكيل حكومة سعد الحريري. إن هذا الخلل القائم سببه واحد وواضح، وهو ممارسات محور إيران و"حزب الله"، بعد ان باتوا يتجرّؤون على سيادة دولتنا وأمننا وإقتصادنا بشكل علنيّ وفاضح، ممّا دفع بالرئيس سعد الحريري إلى إعلان استقالته للأسباب المذكورة، ثم وإعادة تعليقها مرحلياً لمحاولة تسوية الأوضاع.
أتت استقالة الحريري كالصفعة القوية بوجه محور "حزب الله" وإيران. فحاولوا كعادتهم تشتيت الوضع السياسي ومحورة الأمور باتجاه يصب في مصلحتهم ويحد من الصفعة، فشنّوا اليوم هجومهم على "القوات اللبنانية" لعزلها واستفزازها، وجرّها إلى زواريب سياسيّة لا تنتهي. وذلك لأن "القوات" رأس حربة مشروع قيام لبنان، والحليف الأقوى لكلّ من يتبنّى هذا المشروع، فهم اليوم يسعون لشق الصفوف.
يسعى البعض إلى استفزاز "القوات اللبنانية" ودفعها لإعلان استقالة وزرائها من الحكومة وعزلها عن الملفات الحكوميّة، فتسقط إمكانيّة تعطيل الملفات المشبوهة المطروحة في مجلس الوزراء، ويضعف عندها حلفائنا في الحكومة أكثر ويرجح ميزان القوى لصالح المحور الإيراني في لبنان. لكن إدراكنا ورؤيتنا الواضحة للأمور خير حكمة لنا، لعدم الإنجرار في هذا المخطط، فنبقى نحن أصحاب القرار، نعلم متى نخطو وندرس خطواتنا بدقة.
لا يزايدنّ أحد على "القوات اللبنانية". فمن واجه أنظمة قمعيّة إرهابيّة كالنظام السوري، لن يضعف بوجه بعض الحملات الإعلاميّة المشبوهة من حلفائهم، والرسائل السياسية التي باتت معروفة. ولن نقع بفخ الإستدراج. نبقى على مبادئنا مهما اعتلت أصوات الحاقدين. فالحلّ الوحيد اليوم للبدء بحلحلة الأزمة، هو بالنأي بالنفس الفعلي والخروج من معتركات المنطقة، مهما كانت مواقفنا السياسية وآراؤنا في ما يحصل، وإلزام "حزب الله" بتطبيقها وخروجه من الحروب والعودة إلى الدولة لحصر قرار الحرب والسلم بيدها. وبذلك نكون حمينا دولتنا وحفظنا السلم والإستقرار، ما هو ضروري لإجراء الإنتخابات النيابية.
ما نفع الإستعراضات العسكريّة والبذات الجديدة إذا أهينت يومياّ وانتهكت سلطتها مع كل صباح ضمن الأراضي اللبنانية وعلى حدود الوطن. إن سلاح "حزب الله" بات مشكلة حقيقية لا مفرّ منها ويجب إبقاءه كطرح دائم ومستعجل على كل جداول أعمال هيئات الحوار والجلسات السياسية والتنفيذية بغية الوصول إلى حلّ.
أخيراّ، نحن أكثر من يريد السلم والإستقرار، وكنّا أكثر من دفع ثمنه غالياً، لكن لا للأمن المشروط. لا نستبعد ولا نستغرب أن يكون البعض غير سعداء بوجودنا في الحكومة، وبوجههم دوماً، لكننا "مبسوطين" بمواقفنا ومبادئنا ومعاركنا، والسلام.