الحكومة اللبنانية مكانك راوح
الموقف JUN 16, 2020

أشهر مرت منذ نيل حكومة حسان دياب الثقة في 11 شباط 2020؛ لكن شيئًا لم يتغير حتّى بعد إعلان دياب في 21 أيار أنها حققت 97% من التزاماتها لأول مئة يوم في البيان الوزاري. وبعيدًا عن الخطابات والمؤتمرات الصحافية العبثية، نلحظ كما أغلبية الشعب اللبناني، أن تلك الحكومة لا تختلف شيئًا عن سابقاتها. فبعد إيهام الشعب أن تلك الحكومة هي لمتخصصين سيكونون رأس الحربة في الدفاع عن المواطن ومكافحة الفساد وإنقاذ الاقتصاد اللبناني، أو ما تبقى منه، نستخلص الآن أن كل تلك الوعود ما كانت إلا محاولة يائسة لإعطاء اللبنانيين جرعات أمل زائفة.

 

يتجلى ذلك في كل ملف تسلمته الحكومة وفشلت فيه فشلًا مزريًا، باستثناء ملف كورونا الذي أدارته بشكل مقبول. أما في الملف الاقتصادي، فلجأت حكومة حسان دياب إلى مفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي لم تكن مفاوضاته الأولية إيجابية حتى اللحظة، خصوصًا مع تضارب أرقام وزارة المال ومصرف لبنان بسبب اختلاف المعايير بين المؤسستين. ولعل الغريب في الأمر اعتبار لجوء الحكومة إلى صندوق النقد إنجاز، رغم شروطه التي قد تعجز الحكومة عن تطبيقها، فضلًا عن عمليات الإنقاذ التي ستتطلب جهدًا جبارًا في إدارة تلك الأموال وسدادها، الأمر الذي عجزت عنه معظم الدول التي لجأت إلى الصندوق.

 

وعلى الرغم من كل ذلك، إلّا أنّ حلًا بديلًا يوفر إيرادات ويمكن أن يغنينا عن الاستدانة من صندوق النقد. ويتجسّد هذا الحل في ضبط الهدر والتهريب عبر المعابر غير الشرعية التي تخضع لسيطرة قوى الأمر الواقع. وقد بلغ تهريب المحروقات فقط منذ 2017 مليار دولار تقريبًا، وذلك عدا التهريب عبر المطار والمرافئ والسرقات والهدر في إدارات الدولة ومؤسساتها. وإذا جمعنا كل ذلك الهدر، يمكن للدولة اللبنانية تحصيل بين الأربع وخمس مليارات دولار التي تنعش الاقتصاد اللبناني من دون الحاجة إلى الاستدانة. لكن المشكلة الأكبر تتمثل بتلك القرارات التي تتطلّب قرارًا سياسيًا من الحكومة، الأمر الذي يُعتبر غائبًا نظرًا إلى تضاربه مع مصالح القوى السياسية المشاركة فيها.

 

نستطيع الاستشهاد بتغريدة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، في 12 حزيران 2020: "طالما أن حزب الله والوزير جبران باسيل وحلفاءهم موجودون في السلطة تحضروا لخبر سيئ وتدهور جديد مع كل إشراقة شمس". كما نلحظ أيضًا الفشل في إدارة الملف النقدي، بحيث إن الكر والفر بين الحكومة ومصرف لبنان من جهة، والفشل في استعادة الثقة بالليرة اللبنانية من جهة أخرى، أوصلا الليرة إلى أدنى مستوياتها التي تجاوزت 5000 ليرة للدولار الواحد. فانخفضت القدرة الشرائية عند المستهلك وزاد التضخم، رغم إعلان الحكومة نيتها بتخفيض سعر الصرف إلى 3200 ليرة للدولار الواحد، في ظل ترقب اللبنانيين فعاليات هذا القرار ومدى التزام الصرافين به.

 

كما كانت التشكيلات القضائية الملف الذي كثر الكلام عنه في الأسابيع المنصرمة. فعلى الرغم من تقديم رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، التعيينات القضائية لوزيرة العدل ماري كلود نجم، إلّا أن الوزيرة أعادتها إلى مجلس القضاء الأعلى مع ملاحظتها. وبينما أصرّ القاضي عبود عليها، رفض رئيس الجمهورية ميشال عون التوقيع على المرسوم، مما أظهر مدى تعلق السيولة السياسية بالمحاصصة ورفض أي تعيين لا يرضي الأطراف السياسية. وفي ظلّ انعدام مثالية التشكيلات، يعتبر عدم توقيع الرئيس عليها "10 خطوات إلى الوراء" كما أكد جعجع؛ ناهيك عن الفضيحة المتمثلة بتقريب جلسات الخميس للأربعاء إرضاءً لأحد الأطراف السياسية لتعيين محمد أبو حيدر مدير عام لوزارة الاقتصاد، وذلك قبل بلوغه سن الأربعين، ما يُعتبر انتهاكًا للقانون. لذا لا يزال منطق المحاصصة في صلب هذه الحكومة تنافيًا مع ما وعدت به.

 

نستخلص إذًا أن المعادلة واضحة: من أوصل لبنان إلى الانهيار لا يستطيع إخراجه منه، وهذه الحكومة هي عاجزة عن إدارة لبنان في ظل الظروف الخانقة. لكن هل يكمن الحل في تغيير حكومي؟ طالما أنّ الفريق المتمسك بالسلطة لم يتغير، سنشهد حكومة مماثلة للتي هي الآن.

 

الحل هو انتخابات نيابية تعيد تشكيل السلطة بأوجه جديدة تستطيع إدارة شؤون البلاد.

الموقف JUN 16, 2020
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد