جعجع يضرب في صميم السلطة
الموقف MAY 11, 2020

ما هي إلّا لحظات قبل بدء لقاء بعبدا وطلّ رئيس حزب القوّات اللبنانيّة سمير جعجع إلى القصر الجمهوري على عكس كلّ التوقعات، مشكّلًا صدمة للحلفاء والخصوم. دخل خاطفًا الأضواء ومحمّلًا ملفّاته ومنسجمًا مع قناعاته. جلس بين خصوم تحاشوا السلام والكلام، مؤكّدًا أنّ الأزمة فوق كل اعتبار ومصيّبًا عدة أهداف على الصعيد السياسي والوطني.

 

أثبت جعجع أنّه رجل الدولة بامتياز مترفّعًا بمواقفه على الحسابات الضيقة ومؤمنًا أنّ هذه الأزمة لا تُحلّ إلّا بالتكاتف، وحريصًا على المؤسسة الدستورية الأولى في لبنان، بغض النظر عن موقفه المعارض لسياسة العهد. أصاب هدفًا داخل الرأي العام المعارض، إذ عارَض سياسة العهد من داخل القصر الجمهوري وعلى مسمع السلطة الحاكمة، وأكّد السياسات الخاطئة والخارجة عن القانون التي تنتهجها، طالبًا حلّ الأمور عقدةً عقدةً، أيّ الحكم على كلّ ملف على حدّة.

 

أمّا الهدف الثاني فهو التأكيد كما دائمًا أنّ حزب القوّات اللبنانيّة منسجم مع خياراته ويتصرّف من حيث قناعته ومقاربته بالرغم من تحالفاته. وعرض جعجع في لقاء بعبدا المواضيع في تجسيد للواقع الاقتصادي الذي نعيشه مصوّبًا على الحلول العملية والملموسة. إذ اعتبر أنّها في حوزة السلطة الحاكمة من خلال ضبط المعابر غير الشرعية ورفع الغطاء عن الفاسدين ووقف عقود التوظيفات العشوائية.

 

إنّ مواقف جعجع في لقاء بعبدا ما هي إلّا امتداد لمقاربة "القوّات" للأمور منذ دخوله المعترك السياسي الرافض لسياسة حزب الله في لبنان وسلاحه غير الشرعي، واعتبار أنّ هيمنة "الحزب" على الدولة اللبنانية من الأسباب الرئيسية لتردي الوضع الاقتصادي إثر التغطية للمعابر غير الشرعية وحماية حلفائه الفاسدين. ولم ينسَ تذكير أقطاب السلطة بعدم تشتيت الناس بخطط طالما الحلّ موجود.

 

وهذا ما أكده أيضًا في مقابلته مع "فرانس 24" لاستمرار موقفه باللقاء وثباته. وفي هذا الإطار، شدّد على "أنّ "القوّات" رأس المعارضة، لكن ثمّة اختلاف في المقاربات مع الحلفاء"، مضيفًا "يجب أن تستعيد الدولة حدًّا أدنى من الثقة، وهذه لا تُستعاد بالخطط إنما بتنفيذ بعض الخطوات المطلوبة". والطروحات التي قدّمها ملموسة جدًا وبسيطة كإقفال المعابر غير الشرعية ومراقبة الجمارك... وحتى الآن ما من ردٍّ من الحكومة على طروحات التكتل علمًا أنّ جلسة واحدة للحكومة كفيلة مثلًا بإغلاق المعابر غير الشرعية. وقال: "ما لم يستطع فعله فريق عون وحزب الله منذ 10 سنوات، لن يستطيع فعله اليوم وهو أعطى ما يمكنه إعطاءه".

 

وأكّد جعجع مطالب الثوار مشدّدًا على موقفه من انتخابات نيابية مبكرة لتغيير الطبقة الحاكمة، لكن في ظلّ هذا القانون الموجود، لعدم فتح باب عرقلة الانتخابات بقوانين مفصّلة على مقاييس كل حزب وطائفة. وإيمانًا منه أنّ صرخة الشارع يجب سماعها ولا يمكن تجاهلها، ممّا يشكّل امتدادًا آخر لموقف "القوّات"، أشار جعجع إلى أنّ "تسوية الأوضاع لا يمكن إلّا أن تكون بتغيير الطبقة الحاكمة والتغيير لا يأتي إلّا بالانتخاب".

 

ما نشهده من مواقف في الفترة الأخيرة لجعجع ما هو إلّا ثبات لموقف "القوّات" وامتداده وانسجام مع أفكاره وتطلعاته، وهي التمسك بالدولة واحترام المؤسسات الدستورية ومحاربة الفساد والرفض لأيّ سلاح خارج سلاح الدولة. فكل ما هو عكس ذلك يوصلنا إلى ما وصلت إليه الأمور اليوم.

الموقف MAY 11, 2020
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد