!حياد لبنان قيامته
مساحة حرة APR 15, 2021

يتّفق الجميع في لبنان على أنّنا على شفير الهاوية. الدولة متّجهة نحو الإفلاس الكامل، والوضع الأمني يزداد سوءً يومًا بعد يوم، والكماليات أصبحت حلمًا، والضروريات أصبحت كماليات. يلامس الحدّ الأدنى للأجور الـ٥٢ دولار أمريكي، ولم يغيّر السّاسة في أسلوبهم شيئًا. انتفضت بكركي وحملت هموم اللبنانيين، وقدّمت طرحًا للخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية التي يعانيها لبنان. كان عنوان الطرح واضحًا، وهو: الحياد. فانقسم المشهد السياسي إلى قسمين: قسم داعم للطرح، وقسم رافضه. فالسؤال يطرح نفسه: كيف للحياد أن يضع حدًّا للأزمة اللبنانية؟

 

ركائز الاقتصاد اللبناني:

بدايةً، علينا أن نتعرّف على اقتصادنا لنفهم أساس المشكلة. فالاقتصاد اللبناني منذ نشأته هو اقتصاد ريعيّ ونظامه غير منتج يعتمد على مصدر واحد للدخل، وهو قطاع التجارة والخدمات. فلننظر إلى مؤشرات العام ٢٠١٦ الاقتصاديّة حسب موقع "إيدال" التابع للدولة اللبنانية: كان القطاع الزراعي يشكّل ٣.٥% تقريبًا من إجمالي الناتج المحلي، والقطاع الصناعي ٧.٥% تقريبًا من الإجمالي ذاته. أمّا قطاع التجارة والخدمات، فكان يشكّل تقريبًا ٨٩% من إجمالي الناتج المحلي. كما لا يتّكل لبنان بشكل أساسي على الزراعة والصناعة، بل على طاقاته البشرية وموقعه كصلة وصل بين الشرق والغرب، وعلى طبيعته المحدودة الموارد الطبيعية، بل الغنيّة بالمعالم السياحية التي جعلت منه من أكثر الدول استقطابًا للسياح في الفترة السابقة.

كانت السياحة حتى أواخر عام ٢٠٢٠ العمود الفقري للاقتصاد اللبناني، وهذا بالأرقام! فالقطاع السياحي عام ٢٠١٦، شكّل ٧% تقريبًا من إجمالي الناتج المحلي بشكل مباشر و١٢.٤% بشكل غير مباشر. كما أمّن ١٢٣٥٠٠ وظيفة للبنانيين بشكل مباشر، وأكثر من ٣٠٠ ألف بشكل غير مباشر.

لامس الإنفاق السياحي في لبنان عام ٢٠١٦ الـ١٠.٤ مليار دولار، وكان السياح الإماراتيون سبب ١٤% من هذا الإنفاق، والسعوديون ١٣% والمصريون ٦% منه، كما أنّ قيمة التحويلات من الخارج كانت توازي تقريبًا ١٥٠ مليون دولار شهريًّا. ووصلت تقديرات قيمة الهبات المقدمة من المملكة العربيّة السعودية من عام ١٩٩٠ إلى ٢٠١٥ إلى ٧٠ مليار دولار.

انطلاقًا من هنا، يمكننا فهم أين تقع مصلحة اقتصاد لبنان بحسب الأرقام. ولكي يبقى الاقتصاد اللبناني مزدهرًا، ينبغي على لبنان أن يحافظ على علاقاته بشكل أساسي مع دول الخليج والولايات المتحدة.

 

الأزمة الاقتصادية اللبنانية:

كما ذكرنا سابقًا، الطبقة السياسية لم تطوّر القطاع الصناعي منذ استلامها الحكم. فجعلت وظيفة لبنان محدودة، وأصبح اقتصاده الريعي يحتاج إلى علاقات دولية جيّدة لينهض ويحافظ على مدخوله، وليتمكّن من تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار. وهي نفسها الأكثريّة الحاكمة التي قررت رسميًا مواجهة معظم دول العالم، ابتداءً من العام ٢٠١٦، منذ وصول الرئيس عون إلى سدة الرئاسة، وهذا من خلال التغطية على سلاح حزب اللّه ومشاركته في القتال في سوريا والعراق واليمن، ما جعله في مواجهة مباشرة مع دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية. ذلك، والوضع الأمني متدهور والفساد مستشري في معظم إدارات الدولة، وأبرزها وزارة الطاقة التي وحدها تسبّبت بعجز بقيمة ٤٠ مليار دولار سنويًّا في خزينة الدولة.

بلغ الدَيْن العام اللبناني تقريبًا ١٠٠ مليار دولار بحسب موقع وزارة المالية، وما زال الفساد متغلغلًا في إدارات الدولة. ويستمرّ التهريب اليومي للمواد المدعومة، فيما أموال المودعين تُصرف قروضًا لدولة منهارة اقتصاديًّا. كيف ننسى أنّ لبنان في عمق الصراع الإقليمي ضد الولايات المتحدة والسعودية، وقيمة الليرة ما زالت تنخفض بشكل هستيري؟

خلاصة الأزمة اللبنانية هي أن حزب اللّه جرّ لبنان إلى صراع إقليمي ضد الدول التي كانت إحدى أسباب ازدهار اقتصاد لبنان بفترة معينة، وهذا بغطاء من الأكثرية النيابية الحاكمة التي تورطت في ملفات فساد كثيرة، وراكمت على لبنان هذا الكمّ الهائل من الديون، وهملت القطاع الصناعي. حمى حزب اللّه فساد هذه المنظومة، وفي المقابل شرّعت هذه الأخيرة حدود لبنان لدخول السلاح الإيراني وخروج القمح والمازوت والمواد المدعومة.

 

طرح بكركي:

تطرح بكركي عنوانين أساسيين: الحياد والمؤتمر الدولي. الحياد ليس طرحًا جديدًا كما يصوّره البعض، فوصفه البطريرك بأنه جزء من هوية لبنان الثقافية والسياسية. وفيما يتعلق بتركيبة النظام الاقتصادي اللبناني، يرتكز اقتصاد لبنان على العلاقة الجيدة مع الدول كافة. ذكر الحياد بكل الاتفاقات اللبنانية الداخلية، من ميثاق الـ٤٣ إلى إعلان بعبدا مرورًا بتسوية العام ١٩٥٨ واتفاق الطائف حتى انضمّ لبنان إلى مجموعة دول عدم الانحياز.

تطرح بكركي الحياد الإيجابي بما معناه الابتعاد عن أيّ مواجهة مع أيّ محور ضد أيّ محور آخر، ومنع أي عمل مناهض لأيّ دولة ينطلق من لبنان، والدفاع عن النفس ضدّ أيّ عدوان خارجيّ هو من أسس الحياد الإيجابي. إذا طُبّق حياد بكركي، سيشهد لبنان عودة للعلاقات الاقتصادية التي جفّت على مرّ السنوات مع باقي الدول، أي نهضة فورية للاقتصاد اللبناني وتسهيل الطريق بشكل كبير إلى تعافي الاقتصاد. فيهدف الحياد أولًا إلى فكّ العزلة الدولية عن لبنان وتحرير الشرعية من الارتهان لطرف مقابل طرف آخر. فكيف لنا أن نطبّق الحياد؟

بمؤتمر دولي تُعرض فيه قضية لبنان بهدف تحقيق التالي:

تثبيت لبنان على نظام الحياد؛

توفير ضمانات دائمة للكيان اللبناني؛

وضع حدّ لتعددية السلاح؛

والكثير من النقاط الأساسية الحيوية لنهضة لبنان.

 

اعتمدت النمسا نظام الحياد منذ العام ١٩٥٥، بعد أن شاركت في الحرب العالمية وأنهكت اقتصادها. وهي اليوم في أزمة كورونا تخصّص مبلغًا هائلًا لتطوير الفن والثقافة. لنمتثل بها! أخيرًا، كما قال البطريرك مار نصراللّه بطرس الراعي، الحياد هو الكيان اللبناني، وينبغي علينا جميعًا كلبنانيّين تحييد لبنان والعمل من أجل المصلحة العامة. لننهض من جديد باقتصاد منتج ودولة تعمل على تطوير حياة الفرد لا لمصالح أفراد وزعامات ودول لا تريد الخير للبنان. لبنان إمّا أن يكون حياديًا، إما أن يتحمل الشعب عبق الأزمة والقتل والدمار إلى اللانهاية!

مساحة حرة APR 15, 2021
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد