كل مؤسسة أو شركة تريد النجاح وكل نظام يحاول الصمود، يعتمد بشكل أساسي على بضعة مبادئ، أهمها التقييم والمحاسبة. فيكافئ الموظف الناجح ويحاسب الموظف الفاشل، حتى أنه قد يطرد الأشخاص الذين يأخذون مؤسساتهم نحو الفشل.
كما في المؤسسات والشركات، كذلك في الدول والحكومات؛ فكل موظف فاشل يجب أن يُطرد، ونواب الأمة اليوم ليسوا سوى موظفين يعملون في خدمة الشعب اللبناني – ولو أن قسمًا لا بأس به ينكر هذه الحقيقة. وللأسف، كثيرون من نوابنا هم من فئة الموظفين الفاشلين، لذلك بات من الضروري محاسبتهم وطردهم أيضًا.
وانطلاقًا من إيمان حزب القوات اللبنانية بهذه المبادئ، وحرصًا منه على مصلحة اللبنانيين وحياتهم، بادر إلى دعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة لتكون بداية الحلّ للأزمة الحالية التي نمرّ بها. كما تكون نوعًا من المحاسبة للزمرة الحاكمة، بالإضافة إلى أنها مطلب شعبيّ طالب نادى به مئات الآلاف وكان المطلب الأساسي خلال ثورة 17 تشرين وما بعدها.
ما نراه اليوم من مماطلة في موضوع تشكيل الحكومة، وما رأيناه خلال السنوات الأخيرة من تأخير في اتّخاذ قرارات أساسية ومصيرية، وما نسمع عنه من فساد وسرقات ومحسوبيّات، لا بل أسوأ من ذلك، ليس سوى بدليل إلا على العناوين والوعود الكاذبة والمؤتمرات الصحفية والدراسات الفاشلة والسدود الفارغة والمعامل المعرقِلة والبواخر التي أغرقتنا في الدَيْن أكثر وأكثر والحدود المفتوحة والسلاح المتفلت، والناس الذين يموتون على أبواب المستشفيات، لا بل الناس الذين يموتون في بيوتهم بسبب انفجار يودي بحياة الأطفال والشيوخ والشباب ... وفي النهاية نسمع أجوبة سخيفة ولا نصل إلى حلول، وفي كلّ مرّة يطوون الصفحة ويحاولون إقناعنا أنهم في المرة المقبلة سيعملون بجدّية.
ماذا جلبتم لنا سوى العقوبات والعزلة الدولية؟ أين أخوتنا العرب من بيروت الحبيبة؟ أين الأوروبيون الذين أصبحوا يرسلون مساعدتهم للشعب شرط ألّا تمرّ عبركم؟ أين الأسترالي والبرازيلي من أصل لبناني الذي لم يفوّت فرصة للاستثمار في بلده الأم؟ لقد تسببتم لنا بالويلات، لذلك حان وقت رحيلكم، أنتم يا من تعملون لمصالحكم الشخصية.
لا تحاولوا إقناعنا أنكم ستفعلون ما عجزتم عن فعله خلال السنوات الماضية، ولا توهمونا بانتصارات وهمية وإنجازات كاذبة، وتذكّروا أن الانسحابات التي تحفظ الكرامة هي الانتصارات الحقيقية. وها قد حان اليوم وقت انسحابكم، فأسرعوا قبل أن تُطردوا.
عبارة واحدة وفعل واحد: انتخابات نيابية مبكرة بحسب القانون الحالي. فنحن لا نملك الوقت لمسرحية تغيير قانون الانتخابات ولا لمهزلة تغيير النظام، لأن تغيير الأنظمة يبدأ في عقول الناس وليس على أوراق الدستور وبين بنوده. ومَن فشل في إدارة دولة لن ينجح في خلق نظام جديد يبني على أساسه دولة لتعيش مئات السنوات من بعده.
إذا كنتم تثقون بما فعلتم خلال السنوات التي مضت، فما من داعٍ للخوف من الانتخابات، وإن كنتم غير واثقين فهذا تأكيد على حاجتنا إليها، وهي الوسيلة الديمقراطية التي تعتمدها الشعوب لمحاسبة موظفيها. فشعبنا اليوم يريد قادة أقوياء وصادقين وصالحين ينفّذون ما يعدون به، لأنه إذا صلح القائد فمن يجرؤ على الفساد؟
وبما أنّ حزب "القوات" من رئيسه ونوابه ووزرائه وكلّ من يرتبط به، يعرفون أن الوطن لا يبنى بالوعود والأكاذيب، وبما أنهم لا يخافون المحاسبة، سيحاولون بشتّى الوسائل من خلال الضغط السياسي والإعلامي والشعبي، أن يوصلوا البلد إلى الانتخابات المبكرة التي باتت اليوم آخر خشبة خلاص للبنان، والتي تستطيع أن تنقذ الناس من سيف السلطة الحاكمة الحالية المسلّط على الرقاب، والمجيء بموظفين جدد يخدمون الشعب بضمائرهم لا بجيوبهم.