عُذرًا أيّتها البلدان الدّائنة، أموالكم لن نُعيدَها! عُذرًا لأنّنا لا نعرف أين ذهبت، تمامًا كما تبخّر غيرها. أيّتها البلدان الدّائنة، لا تستغربي! وكيف تستغربين، بعدما أوفدت الدّولة اللّبنانيّة إلى الولايات المتّحدة وفدًا خياليًّا، وأنزلتهم في أفخر الفنادق، وأطعمتهم على أثمن الموائد؟ لعلّك تتعلّمين منّا أيّتها البلدان الدّائنة، أنّ الدّولة التي لا تُنفق الأكلاف الباهظة على موفديها، ليست دولةٌ تحترم نفسها. فالنّاس يتقبّلون! لا مانع لديهم أن تُنفق الأموال هكذا ويموتون من الجوع! أمّا المواطن اللّبنانيّ، فسموحٌ، وروحه رياضيّةٌ. المهمّ المهمّ، ضحكة المسؤولين التي تزهو على وجوههم، ورضاهم على كرم الدّولة اللّبنانيّة، وأخلاقها الحسنة.
أيّتها البلدان الدّائنة، إعلمي! إن كنت لا تعلمين، فإنّ لبنان اقتصاده مزدهرٌ! كيف؟ لم ولن تصيبنا الكورونا، لأنّ حكومتنا العتيدة المستقلّة والمختصّة، لم تقبل أن ترضخ لمحسوبيّاتٍ سياسيّة. وأقفلت الحدود كافّةً، لمنع استقبال المصابين بفيروس العصر. أضيفي إلى ذلك، أنّها أنشأت مصانع تدوير وتكرير للنّفايات، متطوّرةً بما يكفي لتنتج الأوكسيجين النّظيف. كما وأنّ مستشفياتنا المجّانيّة توفّر عنايةً متطوّرةً للغاية، تخوّلها اكتشاف الأمراض، بمجرّد أن تطأ قدم المواطن على عتباتها.
أيّتها البلدان الدّائنة، تعلّمي! تعلّمي كيف تُدار الإدارات العامّة والوزارات. تعلّمي منّا كيف تؤمّني الكهرباء والإتّصالات والمواصلات للمواطنين بأسعارٍ بخسة. تعلّمي كيف تفيض ميزانيّة الدّولة، وكيف تخلقي فرص العمل لكلّ مواطن. تعلّمي أسرار ضمان الشّيخوخة وفرحة المواطنين. إن أردت، تعالي وانظري كم من الهتافات المشجّعة تصدح في دجى لبنان يوميًّا، وذلك تبجيلًا للسّاسة الصّادقين، والمسؤولين المسؤولين.
أيّها المواطن! إن أتت البلدان الدّائنة لتعاين الوضع اللّبناني، فلا تهمس ببنت شفة! "بيكفينا جرصة". لا تبكِ كي لا تعرف أنّك عاطل عن العمل، أنّ ابنك أمّي، وأنّ أبوك المصاب بالسّرطان، سيموت دون علاج. لا تبكِ، كي لا تُدرك أنّك تكاد تسرق الرّغيف لتحشوَ معدتك الخاوية. لا تبكِ، كي لا تعرف أنّك تدفع فاتورتَي تغذيةٍ كهربائيّة، أو أنّك تكاد تقبّل أحذية المصارف، كي تُعطيك حِصّةً من ودائعك، لتدفع المستحقّات المتوجّبة عليك.
لم يبقَ لنا من الوطن سوى الحنين لدماء شهداءٍ، شإناها ألّا تذهب سُدىً. رئيس الحكومة حسّان دياب، أعلن تعذّر حكومته، عن إيجاد مخارج لتسديد اليوروبوندز. فهل يُعلن إفلاس الدّولة؟ فسادٌ على الأصعدة كافّة: فسادٌ إداريّ، فسادٌ إقتصادي، صحّي، إجتماعي... فساداتٌ أرضخت لبنان للأمر الواقع؛ كافّة أوصال الدّولة الحلم، تآكلت.
أمّا عن الغد، فلا نعرف شيئًا! جُلّ ما نعرفه، أنّنا اصطدمنا بالحافّة، وأكملنا نحو الهاوية، حتّى ارتطمت رؤوسنا في قعر اللّا عودة. وبعد، فاللّبنانيّ لا ينفكّ يجد بعثة أمل. ها هي باخرة النّفط ترسو في مياهنا الإقليميّة، مشعلةً فتيلة الأمل في نفوس البعض. ولكن... هل نسينا أنّه سيستغرقنا ما لا يقلّ عن عشرات العقود، لاستخراج أوّل برميل نفطٍ؟ هل نسينا أنّ الثّروة الجوفيّة إذا ما وقعت في أيدي اللّصوص، ستغدو ثروةً "جيبيّة"؟ إن تنسون أنتم، فنحن لم، ولا ولن ننسى!