بالحرب ما كنّا بسّ عسكر بفرد كتيبة. كنّا عيلة وحدة، إخوة بكلّ معنى الكلمة. والعيلة بتضحّي كرمال بعضا وما بتقدر تطلع عن بعضا. أنا كان بدّي إحمي رفيقي شو ما كان الثّمن... مش حياتي؟ حياتي فدا كلّ نقطة من دمّو.
كنّا مرّة عسطح الثّكنة عم نكشف عالخزّانات. بفترتا كنّا محاصرين من كلّ الجهات والضّربات ما كنّا نعرفلا. المهمّ بيجي شبّ كنّا نعيّطلو بو مسعود. كنت أنا طابب فوق الخزّان، ما بشوف غير بو مسعود فزّ عليّي ونتليت كلّني دمّ. الرّصاصة كانت مستهدفة راسي، فضّل رفيقي ياخدا بصدرو على إنّا تقتلني. بسرعة جرّيتو عالثّكنة، والرّفاق سمعوا العيطة وركضوا صوبنا. بقلّي بو مسعود قبل ما يموت: روّج رجاع عند ولادك ومرتك، أنا لا عندي ولد. كلّ البدّي يا منّك إنّك تصبّر قلب إمّي وتقلّا إنّو الشّهيد ما بموت. قول لخيّي عالجنّاز ما بدّي يروح خلّي يضلّ عالجبهة.
شو كان بدّك قول لإمّو نهار دفنو؟ ما قدرت قلّا يا تقلا إبنك حمل رصاصة عنّي! تبلكمت! تفركشت الأحرف علساني! تشردقت بدموعي وشهيقي ما عدت قادر سيطر عليه! سمعتني وقرّبت وقالتلي: يا إبني، خيّك استشهد بسّ دمّو بعدو ماشي بعروق هالبلد. أمانة صون ترابو!
بتعرفي، إيّامنا كانت أهون بكتير من إيّامكن! بالقليلة كنّا عارفين حالنا بحرب. عارفين حالنا مقسّمين مشتّتين. بسّ بعهدكن هلّق صار البلد عايش عكفّ عفريت. عايشين بزمن سلم كذّاب والحرب متغلغلة ومتشبّعة فينا لدرجة مفكّرين حالنا بألف خير من الله.
اسمعي، نضال القوّات غير قصّة. لمّا كنّا بالحرب كان ما عنّا غير صليبنا المشطوب والعدرا. نركع بالمتراس نصلّي بإيمان لدرجة صوت القذايف والقنابل ما نعود نسمعو. بسّ طول عمرنا عارفين إنّو نحنا عامود دعم لهالثّكنة اللّي إسما لبنان. يعني إذا نحنا لكّينا، رح ينهار. ودمّ الشّهدا اللّي راحوا رح يصير أرخص من الميّ.
كلّ العالم شاركت بالحرب. هوديك شاركوا كرمال كرسي وسلطة، نحنا شاركنا كرمال قضيّة وجوديّة مترسّخة بعروقنا.
هوديك شاركوا كرمال ينهبو البلد، نحنا شاركنا كرمال نسرق وطنّا من إيد الغريب.
هوديك شاركوا مش كرمال لبنان.
شاركوا كرمال مصريّاتون، كرمال المتنفّس البحري اللّي عندو ياه، كرمال رزقتون.
نحنا يا بنتي شاركنا كرمال ترابو، كرمال كرامة ناسو وكرمال ناسو. حتّى اللّي باعونا وباعوا أخلاقن وأفلس ضميرن.
هلّق تإرجع لسؤالك. ليش لازم تكوني قوّات؟
لأن القوّات ولا مرّة ادّعت المواطنيّة، ومن الميلة التّانية سرقت البلد وباعت سلطتو وجيشو وشعبو.
لأن بالوقت اللّي غيرنا هرب، نحنا كنّا نايمين تحت ركام حرب هنّي قرّروا يخوضوها، وعأوّل كوع فرقوا وكبّوا الحمل عن حالن.
لأن بالوقت اللّي غيرنا خضع وذلّ حالو وصابو جنون العظمة كرمال كرسي ما بحياتا كانت بعينّا، نحنا كنّا عم نتقطّش ونموت ونجوع وندفع أرواحنا كرنال الأرض اللّي تحت الكرسي ما تنهزّ.
لأن بالوقت اللّي كان غيرنا عم يسرّب عبيتو ينام مكنكن، كانوا إمّاتنا وولادن ونسوانّا عم يتشحشطوا من خندق لخندق تيطّمّنوا علينا، وكانت صلواتن هيّي وحدا اللّي تخلّي عنّا أمل إنّا نشوف يوم جديد.
الشّهدا يا بنتي إذا بتعمليلن مليون قدّاس ما فيكي تشكرين كفاية. هنّي ماتوا تتبقي إنت. إذا فيني سخّران ٥٤ سنة تانيين من عمري لا بتلكّأ ولا بقصّر.
تأكّدي إنّو لو شو ما صار ولو وين ما صرنا، هالأرض بتضلّ مقدّسة وواجباتك إنتي ورفاقك تدافعوا عنّا شبر وشبر ولو كلّكن استشهدتوا. هالأرض شربانة دمّ أكتر من ميّة الشّتي. صدّقي لو كلّنا رحنا، هنّي بعدن هون #ما_راحوا.