في العامين الأخيرين، تحمّل الشعب اللبناني أقسى الظروف وأصعب المطبات. فما لم يقضِ عليه الانهيار الاقتصادي، قضت عليه جائحة كورونا العالمية التي كانت نتائجها مزرية على لبنان، ناهيك عن الضغوطات التي يعانيها جيل الشباب اللبناني من نظام تعليم كارثي. فشهد القطاع التربوي اللبناني تراجعًا ساحقًا بعد أن كانت بيروت أفضل مدينة في الشرق الأوسط في جودة التعليم، وفق استطلاع أجراه موقع "Bayt.com" للوظائف في الشرق الأوسط و"YouGov"، المنظمة المتخصصة ببحوث السوق. لكورونا مسؤولية كبيرة في هذا التراجع؛ لكن هل يتحمّل الفيروس هذا الذنب بأكمله، أو ثمة عوامل أخرى أدت إلى وصول المستوى التعليمي إلى ما هو عليه اليوم؟
فرض فيروس كورونا ظاهرة التعليم عن بعد في معظم دول العالم، وكانت لهذه التجربة تحديات عديدة تضاعفت في لبنان. فلا يكفي ما يعانيه اللبنانيون من ضغوطات بسبب صعوبة المعيشة، لتأتي أزمة البنى التحتية والتكاليف الساحقة والعوامل النفسية عائقًا في الدراسة. فلا يشكّل الانتقال المفاجئ للطلاب من الصفوف التقليدية إلى الصفوف الافتراضية انتقالًا تقنيًا، بل هو يتعلق بالذهنية التي تتحكم بتقبل هذا التغيير الصعب، إثر نقص التقنيات وضعف قطاعَيْ الاتصالات والكهرباء.
وعلى الرغم من ذلك، إلا أننا لا يمكننا ربط تدهور القطاع التربوي كاملًا بجائحة كورونا وتدهور البنى التحتية. فلإهمال الدولة والوزارات المعنيّة لقضية تعديل المناهج أثر كبير لوضعنا الحالي. فهل يستمر أي بلد بتدريس منهج وُضع منذ أكثر من ثلاثين عامًا، من دون الاكتراث إلى المستجدات في العالم، اجتماعيًا واقتصاديًا ومحليًا؟ وعليه، تتطلب المناهج الدراسية في هذا العالم السريع التغيير علميًا وتربويًا وتكنولوجيًا، تنمية مستدامة ليصبح أكثر انسجامًا مع العصر والمجتمع.
مصير قطاع التعليم اللبناني مجهول الهوية، والقارب يغرق والقبطان غير مبال. ولم يكفيهم ما سرقوه منّا، حتى يقضوا على ما تبقى لنا من سلاح لمكافحة ظلمهم. وبالتاي، يقرّبنا عدم تسليط الضوء كافيًا على القطاع التربوي، خطوات عديدة من الهاوية، وإعادة النظر في هذه المسألة واجب وطني، وإلا سنشهد على ارتفاع نسبة الأمية والعوائق الاجتماعية.