على الرغم من المصائب التي حلّت على العالم سنة 2020، إلّا أنّ فيروس كورونا يبقى الأكثر فتكًا. إذ يقاتلنا على أكثر من جبهة ويقتلنا بطرق مختلفة. فمن لا يموت مباشرة إثر المرض، يموت بسبب العادات السيئة التي يكتسبها بسبب الحجر والفقر والتوتر الذي خلّفه هذا المرض.
بالطبع، لاحظنا التغيّرات الكثيرة التي طرأت على شخصيّة كلّ منّا وحالته النفسية خلال الحجر. ووسط ما عشناه ونعيشه، بحثنا عن أساليب التسلية واللهو. واتّجه بعضنا إلى المطبخ وتحضير الوجبات، والبعض الآخر لم يتوقف عن شرب الكحول، وثمّة من حضّر النرجيلة وعلبة السجائر. واستطاعت أقليّة منا النجاة من هذه العادات الجديدة وحماية نفسها بعيدًا عن مخاطرها؛ لكنها لم تنج من العنف والمشاكل العائلية. لمَ اتّجهنا بشكل جماعي إلى هذه العادات؟ ولمَ ارتفع مستوى العنف والجرائم في المجتمع بطريقة واضحة؟
أكدت رئيسة دائرة المحللين والمعالجين النفسيّين ريما بجّاني، في حديث إلى موقع مصلحة الطلاب، أنّ "الدوافع النفسية التي تساهم في اكتساب عادات الشرب والتدخين والإفراط في تناول الطعام أو حتى العنف، هي وليدة الإحباط والضغط الذي تسبّب به فيروس كورونا، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية التي خلّفها. إذ اندفع الناس في القيام بردود فعل سلبيّة؛ فمنهم من فقد عمله، ومنهم من خسر القدرة على الخروج والترفيه وكسر روتين حياته، ما أدّى إلى الإحباط الذي لم نستطع التعامل معه. كما كان للبعض منهم الميول أصلًا إلى هذه التصرفات، لكن لم تكن الفرصة متاحة أمامهم بشكل واضح لإظهارها. وما إن وقعنا في هذه الأزمة، حتى خرجت الأمور عن ذمامها وانكبّوا على العادات السيئة".
"أنا بس عصّب باكل"، دائمًا ما نسمع هذه الجملة. وفي ظلّ الأزمات الحالية ما أكثر "المعصّبين"، وما أكثر الذين يأكلون "فشّة خلق". والأسوأ ما في الأمر كما تشير إليه رئيسة دائرة أخصائي التغذية المجازة في حزب القوات اللبنانية، عبير أبو رجيلي، أن "أغلب الأشخاص يلجؤون إلى تناول الأطعمة التي تحتوي على نسبة مرتفعة من الدهون والوحدات الحرارية من دون أن تحتوي على أي قيمة غذائية تُذكر كالوجبات السريعة، ما يعزز احتمال الإصابة بالبدانة والأمراض وأوّلها مرض القلب. كما ترفع البدانة بطريقة غير مباشرة، حالات التوتر والغضب. لذلك يجب تناول أكثر الأطعمة الصحية وممارسة الرياضة والأنشطة الترفيهيّة التي تحسّن من مزاجنا وترفع معنوياتنا".
كما في الطعام كذلك في التدخين والكحول، أصبح "فشّة خلق" لدينا. وقد عرفنا جميعًا حالات لأشخاص استهلكوا الكحول خلال الأزمة للهروب من مرارة الواقع كمحاولة لتخطي فترة الحجر بأقل ضرر ممكن. لكنّ الحقيقة تشير إلى أن هذه العادات السيئة تفاقم الوضع وتزيده سوء، لا سيما أنها قد تجرّنا إلى تصرفات عنيفة وعشوائية تزيد من حدّة المعاناة لنا ومحيطنا.
وتُضاف إلى هذه السلبيات في حياتنا، السلبية التي تبثّها بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، كما تزيد من توتّرنا بسبب الأخبار الكاذبة والمعلومات المتناقضة أحيانًا، ما يجعلنا عاجزين عن التفكير بشكل صحيح.
وبحسب ما أوردته بجاني، ينبغي معالجة سبب المشكلة لا النتيجة، أي تصحيح أسلوبنا وتصرفاتنا والتأقلم بشكل إيجابي مع ما يحصل وعدم السماح للمشكلة بالسيطرة علينا، بل الاستفادة منها واعتبار هذه الفترة للراحة وقضاء الوقت مع الأسرة والابتعاد عن التصرفات الخاطئة.