جبنة المجلس الدستوري
مساحة حرة AUG 27, 2019

حدّدت المادة 19 من الدستور ومن بعدها المادة الأولى من قانون إنشاء المجلس الدستوري والمادة الأولى من نظامه الداخلي مهمات هذا المجلس كالتّالي: مراقبة دستورية القوانين وسائر النّصوص التي لها قوة القانون، والبتّ في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية. كما نصّت المادة 2 من قانون إنشاء المجلس الدستوري على أنّ المجلس يتألف من عشرة أعضاء. يعيّن مجلس النواب نصفهم بالغالبية المُطلقة (والذي تمّ منذ ثلاثة أشهر)، ويعيّن مجلس الوزراء النصف الآخر بأكثرية ثلثي عدد أعضاء الحكومة. أمّا لجهة الإسراع في تعيين الأعضاء الخمسة وتسليم المجلس مهامه وذلك قبل البتّ بالطعون المقدّمة سابقاً، فيعتبر شبه انقلاب دستوري وضربة قاضية للمعارضة التي اعتمدت نهج تقديم الطعون أحد أبرز أسلحتها ما يشكّل تهديداً للديمقراطية وحسن سير الإدارة والسياسة.

من حيث الشكل، وفيما لبنان يعيش تداعيات سوء الإدارة المتراكم على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، جاء تخفيض التصنيف من قبل موديز وفيتش ليثبت عدم جديّة الحكومة في التعاطي مع الأزمة؛ بينما أبقت ستاندرد اند بورز على التصنيف السابق مع إعطاء فرصة ٦ أشهر للحكومة اللبنانية. وبدل أن ينكب المعنيون على مراجعة مسارهم الإداري لإظهار ومضة إيجابية، تهافتوا لإلتهام حصتهم من جبنة المجلس الدستوري: فعيِّن أعضاؤه من دون توزيع السّير الذاتيّة على الوزراء أو الاطلاع عليها بإشارة صارخة إلى مبدأ محاصصة مذهبيّة وحزبيّة من دون الأخذ بعين الاعتبار لا الكفاءة والاختصاص الذي اعتمد بشكل كبير منذ العام 1996 حتّى الآن في تشكيل المجالس الدستورية. كما لم يكرّس دور المجلس الجوهري في اللعبة السياسيّة والديمقراطية الذي من المفترض أن يتمتّع بهامش من الحياد عن أيّ تبعية فئوية حتّى يحافظ على انحيازه نحو الحقّ وحمايات الدستور وحسن سير الانتخابات لا أحزاب السلطة.

من جهةٍ أخرى، احتفل البعض بإنجازهم الجديد متباهين باحتكار الحصّة المسيحيّة التي تشكل نصف أعضاء المجلس (٥ أعضاء). وهنا نود لفت انتباه الطوائف غير المسيحيّة خصوصًا من ساهم أو سمح بهذه العمليّة: إنّ احتكار الحصّة المسيحيّة التي تشكل نصف المجلس الدستوري من طرف واحد يعطيه اليد العليا في قرارته بحيث يمتلك القوّة الميثاقية الكاملة بالإضافة للقدرة العدديّة.

أمّا من حيث المضمون، فقد نشرت صحيفة "نداء الوطن" بتاريخ ٢٠١٩/٨/٢٣ أسماء خمسة أعضاء غير متخصّصين بالقانون الدستوري وانتماءاتهم الحزبيّة. سنكتفي هنا بالمسيحيّين منهم:

- الياس بو عيد (ماروني) : محامٍ، يعتبر من مؤسسي التيار الوطني الحر ومن مرافقي الرئيس عون في مسيرته. وهو غير متخصّص بالقانون الدستوري.

- عبدالله الشامي (أرثوذكسي) : نقيب المحامين السابق في الشمال، منتسب للتيار ونجله منسّق قضاء المنية في الوطني الحر. وهو غير متخصّص بالقانون الدستوري.

- الياس مشرقاني (كاثوليكي) : محامٍ، انفصل عن الكتلة الوطنيّة وتقرّب من التيار الوطني الحر الذي تولّى تسميته. وهو أيضاً غير متخصّص بالقانون الدستوري.

على الصعيد القوّاتي، لم يرشّح حزب القوات اللبنانية أحداً انطلاقاً من إيمانه بأنّ المجلس الدستوري كسلطة قضائية يجب أن يبقى فوق الاعتبارات السياسيّة والمحسوبيّات، لكنّه أعلن دعمه لتعيين المحامي والخبير الدستوري سعيد مالك لما يتمتّع من مزايا علميّة وأخلاقية وحيادية وهو ليس محازباً. من جهته، كشف المحامي سعيد مالك لـ"المدن" أن "ترشحه جاء نتيجة توصية من رئيس المجلس الحالي الدكتور عصام سليمان، بهدف ضخّ دم جديد في شرايين المجلس الدستوري، واستناداً إلى معايير الكفاءة والجدارة". وقال "تقدمت بترشيحي بشكل مستقلّ ومن دون أي دعم حزبي أو سياسي، وبعد اكتمال الترشيحات وعلى مقربة من بداية غربلة الأسماء، علمت بأن "القوات اللبنانية" اطلعت على قائمة الأسماء واختارت اسمي وسمتني، علماً أني غير منتسب لأي حزب سياسي".

ختاماً إنّ السعي إلى تطبيق القانون وإلى احتكام الدستور والمبادئ الديمقراطية يرسم أسساً ثابتة لأساليب الحكم أمام الأحزاب الأخرى للتمثل بها، كما أنّ تراكم العمل بنهجٍ شفاف وراديكالي إصلاحيّ يخلق عامل ثقة بين "القوّات" والجمهور العريض. قد يتطلب نشر هذا النموذج الصالح تراكم تضحية اعتادت تقديمها "القوّات"، كما يشكل الحاجة والوسيلة الوحيدة للنهوض بلبنان.

مساحة حرة AUG 27, 2019
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد