لم يكن السوري آنذاك ظاننًا أن نهايته باتت قريبة، إلى أن خبط نداء بكركي عرض الحائط وشكّل تجسيداً لنداء لثورة كان لبنان بأمسّ الحاجة إليه. إذ فرض نداء مجلس المطارنة الموارنة في 20 أيلول 2000، تحوّلًا أساسيًا بين مرحلتين؛ مرحلة الخضوع لسياسة الأمر الواقع التي فرضتها الوصاية السورية، ومرحلة بداية إخراج الجيش السوري من خلال النضال والمواجهة والمقاومة التي خاضتها بكركي علنياً، وكان حزب القوّات اللبنانية من الداعمين الأساسيين لهذا النداء وحثّ المجلس على هذه المبادرة.
نداء بكركي هو ما أسّس لإخراج السوري. وممّا لا شكّ فيه أنّه نداء تاريخي، ليس بمضمونه فقط، بل لتأسيسه دينامية وطنيّة مؤثرة أدت إلى تأسيس ما يُعرف بـ”لقاء قرنة شهوان “برئاسة المطران الراحل يوسف بشارة. وضمّ ذاك اللقاء أحزابًا سيادية وشخصيات مستقلة، ما أدى بدوره إلى فتح مسار وطني طويل.
بعد نداء بكركي ولقاء قرنة شهوان، شهد لبنان المصالحة التاريخية التي عرفت بمصالحة الجبل والتي جمعت في آب 2001 بكركي والمختارة، وكانت فاتحة طريق المشاورة مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ولّدت هذه المشاورات السيادية الوطنية حالة قلق لدى الطرف السوري، إذ بدأت عملية إخراجه من لبنان تتجسد فعلياً، وما كان منه إلّا أن دعا إلى ما عرف بأحداث 7 آب، من أجل وقف هذه الدينامية.
وعلى الرغم من كل هذه الأحداث، إلا أن البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير تمسّك بإعلان مواقفه، واستمرت اجتماعات اللقاء وبدأت سياسة الانفتاح على الآخر وتأسيس العلاقات مع "اليسار الديمقراطي" و"التقدمي الاشتراكي" و"المستقبل"، وصولًا إلى لقاء "البريستول" وصدور قرار 1559.
وكان اغتيال الحريري المسمار الأخير في كفن الوجود السوري في لبنان الذي ظنّ أن عملية الاغتيال ستقتل الأمل بسيادة لبنان ووقف هذه الدينامية. لكنّه لم ينجح في مخططاته وولدت انتفاضة 14 آذار 2005 التي نادت بشعار الحرية والسيادة والاستقلال، وحققت في 26 نيسان 2005 انتصاراً تجسد في خروج الجيش السوري.
لا يمكن النظر إلى نداء بكركي إلا كنداء تأسيسي للاستقلال الثاني أي الاستقلال الحقيقي. فرض محطة لبنانية واستقلالية وسيادية بامتياز. لذا ينبغي على الشعب اللبناني اقتباس روحية هذا النداء لمواجهة الاحتلال في يومنا هذا.