كلما ذكرنا تاريخ الرابع عشر من آذار، يعتقد كثر أننا ننظر إلى الوراء لنسترجع ذكرى انتفاضة عام 2005، ونلقي كلماتنا ونحمل الأعلام ونردد قسم جبران، ونحيّي أرواح رفيق وباسل وسمير وبيار وكل الرفاق، ونهدي الورود لأبطال الجيش؛ ثمّ نعود إلى واقعنا ولحياتنا اليومية. مخطئ كل من يفكّر بهذه الطريقة، لأن 14 آذار بالنسبة لنا هي امتداد، بل محطة في مسيرة نضال طويل، تشتدّ حدّتها كلما دعت الحاجة.
إذا بحثنا عن جذور 14 آذار في تاريخ لبنان، لقصدنا مغاور قنوبين وبدأنا بحثنا هناك؛ بل أكثر من ذلك، لبحثنا عن سفن الشعوب القديمة التي تكسرت على صخور شواطئنا، ولَشهِدت القائمقامية والمتصرفية أننا لا نخضع كما يخضع غيرنا. ولو تحدّثت راشيا وبشامون لأخبرت سيرة الأبطال... زحلة والأشرفية والدامور الجريح... كلهم شهود التاريخ.
أما أولى براعم الانتفاضة المليونية، فقد أزهرت في بكركي يوم أبت البطريركية والمطارنة إلا أن "تحكي صح"، فسأل المطارنة الموارنة: متى يحين موعد رحيل الغرباء عن أرضنا؟ وترافق نداءهم مع حركة طلابية وسياسية مكثفة تكلّلت بدماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومعه كل الأبطال الذين سكبوا دماءهم لتنبت الحرية.
وما دام دم الشهداء بدار الأحرار، اجتمع شرفاء الوطن ليقفوا سويًا في محطة جديدة من محطات النضال، ووقفوا ليصرخوا بصوت واحد: "حرية... سيادة... استقلال". إنه ذاك اليوم، يوم العيد الذي ما خجلنا فيه من قول: "ما بدنا جيش بلبنان إلا الجيش اللبناني". صغارًا وكبارًا، نساءً ورجالًا، امتلأت الشوارع بنا، وضجّت الساحات بمواكب السيارات من كل المناطق، حملنا العلم اللبناني وتكلّلت الأرزة جباهنا. على أكتافنا إرث تاريخ مجيد، وعلى وجوهنا صمود أخاف أعداء البلد وأجبرهم على الرحيل، وفي عيون شبابنا حلم وطن سُمّي يومها "حلم آذار"، وفي أكفّنا نواة جمهورية قوية نتوق لليوم الذي نبلغ إليها فيه.
قال البعض إننا كنا مئات آلاف، والبعض الآخر وصل بالرقم إلى المليون. لا يهمّ، لأننا في ذاك اليوم كنا لبنان، كنا الوطن، بكل أطيافه وأديانه وطوائفه. كلّ حرّ أينما وُجد، صار اسمه 14 آذار 2005. هل انتهى حلم آذار؟ يسألوننا دائمًا. لا لم ينتهِ، فالأحلام لا تنتهي. ومن يملك كنزًا، وإن حاولوا ثنيه عن كنزه، يشقّ الجبال بحثًا عنه. ومن يعتقد أن حلم الجمهورية القوية انتهى مع آذار، أخبروه عن نيسان 2005 وعن تشرين 2019... وقولوا له: استعد لأيار 2022.