"زحلة: عروس البقاع وعاصمة العالم"، كما كان يحلو لشاعرها الكبير سعيد عقل أن يسمِّيها. زحلة الموقع المميَّز في وادٍ بين جبلين على ضفاف بردونيها. زحلة موقع رائع، نعمة من الله ونقمة إذا ما حاول طاغٍ أو مستبدٌ محاصرتها بهدف الدُّخول والاستيلاء عليها.
في نيسان من العام ١٩٨١، أراد نظام الأسد إخضاع زحلة ليسيطر عليها ويذلَّها، بحجَّة أنَّ " أمن البقاع من أمن دمشق". فبدأت مدفعيَّته المتمركزة على أطراف المدينة، بدكِّ الأحياء السكنيَّة من دون التَّمييز بين البشر والحجر ، وبدأت جحافله المزوَّدة بالسِّلاح والمدرَّعات بالسَّعي إلى احتلال عاصمة الكثلكة في الشَّرق.
لكنّ الطَّاغية لم يحسب لأولاد زحلة الأبطال، مربى الأسود والشَّجاعة، حسابًا.
فهبَّ أولادها بمباركة العذراء السَّاهرة عليهم للدِّفاع عن أرضهم وشرفهم بما توفَّر لهم من إمكانيَّات ضئيلة وأسلحة خفيفة.
وبينما كانت دبَّابات العدو الغاشم وعناصره تحكم طوقها على زحلة، سعى أبناء المدينة إلى المحافظة على المنفذ الوحيد لهم، ومنعًا لإقفاله في جرد عيون السيمان في زحلة، قرَّر الشَّيخ بشير دعم المقاتلين الموجودين داخل المدينة بالعديد والعتاد. فكان الزَّحالنة يحملون الأسلحة والذَّخائر على ظهورهم سيرًا على الأقدام في ظروف مناخيَّة وأمنيَّة صعبة جدًّا. ولطالما حوصروا واختبأوا في مجرى النَّهر ومات بعضهم متجمِّدًا في الثلوج.
كان صمود زحلة مدويًّا بعد حصارها لمئة يوم، فكان العدوُّ يتكبَّد خسائر فادحة على أيدي المقاومين، وبدأ يخسر دبَّابته وجنوده ومراكزه على مداخل المدينة وجبهاتها من المعلَّقة والحمَّار وحوش الأمراء وغيرها.
زحلة الصَّامدة والأبيَّة بشبابها الأباسل، استحقت تقدير العالم كلِّه وزعيم المقاومة المسيحيَّة الشَّيخ بشير الجميِّل فكانت مقولته الشَّهيرة " لقد خضتم أروع معركة في أدقِّ منطقة، في أشرس حرب في أحلك ظرف".
والمقاومة مستمرَّة...
واليوم أيضًا، تثبت القوَّات الُّلبنانيَّة أنَّها ابنة المدينة المدلِّلة وأنَّها من صلبها. فشباب القوَّات الُّلبنانيَّة اليوم، هم أبناء من قدَّم الشَّهادة لهذه المدينة الغالية وأحفادهم.
ولو اختلفت الظُّروف والمعارك فهم جاهزون دائمًا أبدا لتلبية النِّداء في زمن الحرب كما في زمن السِّلم. ونتيجة الانتخابات النِّيابيَّة في العام ٢٠٠٩ خير دليل وبرهان على وجودهم وتجذُّرهم في هذه المنطقة.
نحن هنا، يا زحلة نحن هنا!
في السِّلم والحرب نحن هنا!
نغذِّي ترابك وأرضك بدمنا وروحنا...
ستبقين النَّجم "الما بينطال"
والحلم الأسمى لكلّ الأجيال!
سيبقى شبابك إلى الأبد حيث لا ولم ولن يجرؤ الآخرون.