تداعيات المصالحة... مصالحات!
الموقف JUN 07, 2016
عام 1858، قام فلَّاح مارونيّ بقيادة ثورة ضدَّ الإقطاع في جبل لبنان، وتحديدًا في القائمقاميَّة الشمالية. لست هنا بوارد الإشادة ببطولات طانوس شاهين أو تعظيم هذه الثورة، بل أسعى إلى الإضاءة على الموقف الَّذي اتَّخذه الإقطاع والَّذي نادرًا ما يتمُّ وضعه تحت المجهر، وذلك من دون الدُّخول في التَّفاصيل والنَّعرات الطَّائفيَّة.
 
ففي تلك الحقبة، كان الصِّراع المارونيّ - الدُّرزيّ على أشدِّه بعد معارك دامية بين الطرفين، وبالطبع كانت العداوة محتدمة بين الإقطاع المارونيّ والإقطاع الدُّرزيّ. لكن، ومع نشوب الثَّورة، لم يتردَّد الإقطاع المارونيّ بالاستعانة بنظيره وخصمه التَّاريخيّ، أي الإقطاع الدّرزيّ، ضدَّ أبناء ملَّته لقمع الثورة، كما لم يتردَّد هذا الأخير بدعم خصمه كي لا تمتدّ نيران الثَّورة إلى مناطقه.
 
هذا الوصف المختصر كفيل بإظهار قدرة الإقطاع على التلوُّن والتقلُّب، وتبرُّئه من أيِّ مبدأ أو قضيَّة إنسانيَّة، فيصبح جوهر حركته المحافظة على إقطاعه وسلطته.
 
وبالانتقال إلى عصرنا الحالي الَّذي يحمل رواسب الماضي، نرى أنَّ الإقطاعيَّات لا تزال تتَّبع الوسائل والأساليب عينها، وإن بطابع عصريّ. فبعد المصالحة المسيحيَّة بين القوَّات الُّلبنانيَّة والتيَّار الوطنيّ الحرّ، والَّتي احتاجت إلى اجتماعات ولقاءات استغرقت حوالى السَّنتين، فتوِّجت بإعلان نوايا ورؤية مشتركة، كرَّت سبحة المصالحات الإقطاعيَّة الَّتي لم يحتج بعضها إلى أكثر من أسبوع واحد بعد الاتِّفاق لتقاسم حصص في الانتخابات البلديَّة، من دون عناء كتابة بند واحد يجمع بينهم!
 
"قامت القيامة ولم تقعد" بعد مصالحة القوَّات والتيَّار، وخصِّصت أموال ضخمة لتشويهها إعلاميًّا. ولكن لم يخبرنا أحدا لغاية الآن عن كيفيَّة حصول المصالحات الإقطاعية، فأيُّ رؤية مشتركة جمعتهم؟ ما الهدف المشترك الَّذي سيعملون على تحقيقه (بغضِّ النَّظر عن ضرب المصالحة المسيحيَّة)؟
 
هذا كلُّه ليس مستغربًا، فالتوجُّه الإقطاعيّ وتلوُّنه وتقلُّبه قد أصبح معروفًا. أمَّا المستغرب، فهو أن يمدح الجميع ثورة الفلَّاحين، في حين يناصر البعض الإقطاع ويدافع عن أعماله الدَّنيئة.
 
إنَّ الهدف الأساس من دراسة التَّاريخ هو استقاء الأمثولات والعبر. والأمثولة الفضلى من تاريخنا وتاريخ شعوب الأرض كلِّها، تكمن في أنَّ الحقَّ لم يقف مرَّة في صفِّ الإقطاع لو مهما استبكر وتجبَّر. فاعرفوا في صفِّ من ستقفون!

 
الموقف JUN 07, 2016
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد