منذ العام 1990 وانتهاء الحرب الأهليَّة الُّلبنانيَّة، لم تكن مشاركة حزب القوَّات الُّلبنانيَّة بأيِّ حكومة لتقارن بحجم مشاركته في الحكومة الحاليَّة. فعلى الرُّغم من موافقة القوَّات على اتِّفاق الطَّائف وتغطيته مسيحيًّا مع البطريرك الماروني، قامت أولى حكومات السِّلم المفترض بعرض وزارة الدَّولة على الدُّكتور سمير جعجع لكي تخضع الحزب. لم يعلموا حينئذٍ أنَّ القوَّات ترفض مقايضة السِّيادة بوزارة! ومذ ذاك الحين، باتت القوَّات خارج الُّلعبة السِّياسيَّة الضيِّقة وأصبح رئيسها سجينًا سياسيًّا في أقبية وزارة الدِّفاع.
حتَّى بعد العام 2005، وبعد ثورة الأرز الَّتي كانت القوَّات شريكةً أساسيَّة فيها والَّتي أدَّت إلى إخراج الجيش السُّوري من لبنان، حصلت القوَّات على وزارة السِّياحة بشخص القياديّ جو سركيس، ومن بعدها على وزارة العدل ووزارة البيئة معًا في حكومة الرَّئيس فؤاد السَّنيورة الثَّانية، وعلى حقيبتي العدل والثَّقافة في حكومة الرَّئيس سعد الحريري الأولى عام 2009. وكلُّ هذا السَّرد حول تجربة حزب القوَّات مع الحكومات المتعاقبة يهدف للقول أنَّ القوَّات الُّلبنانيَّة اليوم، ولأوَّل مرَّة، شريكةٌ فعليَّةٌ في التشكيلة الحكوميَّة للعهد الجديد بعد أن حصلت على وزارات أساسيَّة وعلى وزير رابع، وهو الوزير فرعون. نعم، لقد أنصف هذا العهد وهذه الحكومة القوَّات الُّلبنانيَّة. وهنا، يسأل الجميع: أهذا بفضل الرَّئيس ميشال عون أم بفضل الرَّئيس سعد الحريري؟ الجواب واضح: هذه نتيجة القرارات الوطنيَّة الَّتي أخذها الحزب! فتوازن القوى المستجد مع تحالف القوَّات والتيَّار أنصف القوَّات وأعطاها الحجم الطَّبيعي بعدد الوزارات، ولو أنَّ محور الممانعة حاول الضَّغط ووضع فيتويات عدَّة.
لكنَّ السُّؤال يبقى: "لماذا هذا الخوف من تولِّي القوَّات الُّلبنانيَّة وزارة الاتِّصالات على الرُّغم من تولِّي وزراء من 14 آذار هذه الوزارة سابقًا؟ لماذا القلق من حصول القوَّات على وزارات سياديَّة على الرُّغم من حصول تيَّار المستقبل على هذه الوزارات؟ الجواب واضح هنا، فالخطر الحقيقيّ الّذي يهدِّد مشروع حزب الله في لبنان هو سياسة حزب القوَّات الُّلبنانيَّة، خصوصًا مع استعمال الدُّكتور سمير جعجع استراتيجيَّة جديدة (blue ocean strategy) ونقل الصِّراع القائم منذ 12 سنة إلى مكان آخر كليًّا. فهل ستنجح القوَّات عبر وزرائها في إظهار طريقة عمل جديدة؟ هذا هو الهدف الأساسي الَّذي يعمل الحزب من أجله عبر تشكيل مجموعات عمل إلى جانب الوزراء الثَّلاثة لكي تظهر الصُّورة الفعليَّة لحزب ينادي ببناء دولة قويَّة، منظَّمة، تعمل فيها المؤسَّسات بعيدًا عن الفساد!
إذًا، يخطو حزب القوَّات خطوةً جديدةً في تاريخه، خطوةٌ وضعته شريكًا أساسيًّا في صنع قرارات الحكومة، خطوةٌ أعادت الحياة لدستور الطَّائف المبني على المناصفة الحقيقيَّة والشَّراكة الفعليَّة. وبعمليَّة حسابيَّة صغيرة، نرى أنَّ عدد وزراء الأحزاب المسيحيَّة ذات الحجم التمثيلِّي الواسع، يبلغ 13 وزير في الحكومة، وهذا الأمر يحصل للمرَّة الأولى منذ اتِّفاق الطَّائف.
ختامًا، يعلم الجميع أنَّ أولويَّة هذه الحكومة هي التَّحضير للانتخابات النيابيَّة في 2017، فهل ستكون التوازنات بعد الانتخابات كما قبلها؟ وهل سينجح تحالف القوَّات - التيَّار في تشكيل لوائح مشتركة والانتصار في المعركة النيابيَّة؟