البغدادي.. خليفة على دولة الدورة الدموية
مساحة حرة JUL 02, 2014
منذ الانشقاق الكبير بين المسلمين على أثر الخلاف في خلافة الامة التي أخرجت للناس، وهي في حيرة من امرها ببحثها الخلاصي عن خليفة للمؤمنين يحقق للاسلام دولته.
 
أربعة عشر قرنا من الفاصل الزمني، بين دولة الخليفة الاول أبو بكر الصديق الصدوق الذي اختاره رسول الاسلام.. وبين آخر الامراء الذي عيّنه في هذه الايام "تنظيمه"السارح في قطع أعناق الناس بين بوادي الشام وأودية حوران في العراق، والفاحش السابح في بحور من الدماء على وزن فاعل "داعش"، خليفة على رقاب المسلمين في كل مكان.
 
ولكن ما هي الخلافة الاسلامية؟

هي نظام الحكم في الشريعة الإسلامية الذي يقوم على استخلاف قائد مسلم على الدولة الإسلامية ليحكمها بالشريعة الإسلامية.
وسميت بالخلافة لأن الخليفة هو من يخلف الرسول محمد لتولي قيادة المسلمين والدولة الإسلامية، وحمل رسالته إلى العالم بالدعوة والجهاد.
 
ما هي حدود الخلافة؟

لم تحد الاراضي الاسلامية قط بدستور، ولطالما اعتبر توسيع ارض الاسلام جزءا من مهام الخليفة.
وامتد حكم العثمانيين في اوجه على سبيل المثال على سائر اراضي الشرق الاوسط وشمال افريقيا وصولا الى القوقاز وشرق اوروبا.
 
هل أرادت "القاعدة" اقامة الخلافة؟

يقول الخبير في الشؤون الامنية والعسكرية في "مركز الخليج للابحاث" مصطفى العاني: لطالما شكلت اقامة الدولة الاسلامية "الحلم الاكبر" بالنسبة لتنظيم "القاعدة" منذ هجمات 11 ايلول 2001.
واعتبر ان ما اعلنه "داعش" هو "نواة لخلافة يفترض ان تتوسع مع انهيار الدول القائمة".
وأقامت حركة طالبان في 1996 "امارة اسلامية" في افغانستان الى ان اسقطها الاجتياح الاميركي في 2001. الا ان "امير طالبان" لم يمنح قط لقب الخليفة، بل لقب "أمير المؤمنين"، وهو احد القاب الخليفة.
 
من هو أبو بكر البغدادي؟

هو الاسم الساطع في دَيجور القتال، الغائب عن "الشو" التلفزيوني والحاضر الاقوى في عالم الشهرة.

ينسب البغدادي نفسه إلى الخليفة أبي بكر الصديق وإلى العاصمة العراقية بغداد. وتشير التقارير الصادرة عن وزارة الداخلية العراقية إلى أن الاسم الحقيقي للبغدادي هو إبراهيم بن عواد بن إبراهيم البدري الرضوي الحسيني السامرائي. تابع تحصيله العلمي في "الجامعة الإسلامية" في بغداد. تتلمذ على يدي الأردني "أبو مصعب الزرقاوي" في العراق حيث قاتل تحت رايته، كما تولى قيادة "الدولة الإسلامية في العراق" عام 2010، التنظيم الذي انبثق من رحم "القاعدة في بلاد ما بين النهرين" التي كان يرأسها "الزرقاوي" قبل مقتله، لم تظهر صورته للعلن ولم تتضح معالمه إلا بداية العام 2014، حين نشرت السلطات العراقية صورة له.
من العام 2003 كان البغدادي وكيل تهريب "الجهاديين" من سوريا وعبر الحدود السورية العراقية الى بلاد الرافدين (بالتنسيق مع المخابرات السورية المسؤولة عن الملف) لقتال الاميركيين، ونتذكر تصريح الرئيس السوري بشار الاسد في القمة العربية في بيروت 2002 ،التي تباحثت مفهوم "الارهاب" في عزّ انفجار حماسة "الانتحاريين" التي ضربت العراق أبان دخول الجيش الاميركي، عندما قال: ما يصفه الغرب بالارهاب في العراق، نحن نعتبره مقاومة احتلال!
 
الاحتراب السوري.. والاستغلال

ومع اندلاع الحراك الثوري في سوريا العام 2011، ظهر ثُلّة من الجماعات الاسلامية المتطرفة المرتبطة فكريا ونهجا بتنظيم القاعدة. واحدى اهم هذه الفرق تنظيم "داعش" الذي تجنّب محاربة الجيش الاسدي، اذ كان الهدف السيطرة على اراض سورية تكون مرتبطة بالعراق، وعلى الأراضي التي يحررها الآخرون. كانت الرقة أول محافظة تتخلص من النظام، وقامت الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام بتنظيم إعدام الجنود العلويين في الساحات العامة من أجل إثارة الصدمة لدى السكان. كما استولت على مستودعات الأسلحة التابعة للجيش السوري الحر في مناطق أخرى، وتقتل بعض قادته. كما استهدفت المناطق النفطية بصفتها مصدراً هاماً لعمليات التهريب المربحة كتمويل مهم للتنظيم.
 
واستمرّ انفلاش التنظيم منذ العام 2011 حتى اليوم، وصار "امير المسلمين" البغدادي ممسكا بزمام أمور الفلوجة وجزء من الرمادي، في العراق، ومحافظتي دير الزور والرقّة في سورية. كما ينشط في اللاذقية وحلب وإدلب وحماة. ولا يزال يستقطب "جهاديّين" من حول العالم، يقصدونه عازفين عن "جبهة النصرة" التي أعلن حلّ شراكته معها في آذار 2013.
 
"تمرّد سنة" العراق

مع سقوط المدن العراقية في الموصل ونينوى أمام زحف داعش وخلال ساعات محدودة، شكل للمراقبين والمتابعين للأحداث العسكرية صدمة، الى أن توضحت بعض المعطيات الميدانية في خريطة الاطراف المنخرطة في التمرد المسلح السني في العراق.
 
في زيارته الاخيرة لواشنطن، حذرت الادارة الاميركية رئيس الوزراء العراقينوري المالكي من ممارساته الطائفية، التي أدت خلال الأعوام الماضية إلى خلق بيئة صراع طائفي. فتحولت "مظلومية الشيعة" الى "مظلومية السنّة"، حيث يشعر أهل السنّة أن هناك "هجمة" شيعية تنبع من طهران،تمرّ ببغداد الى دمشق وصولا الى "حزب الله" في لبنان لضرب الحضور السنّي في المنطقة.
 
هذا المحور الذي تجنّد في صفوفه المالكي، جعل من سنّة العراق الناقمين يرصّون الصفوف لملاقاة "الزحف" الداعشي في الموصل وتكريت (مسقط رأس صدام حسين)، فبرز الى الواجهة من المجهول الى الموصل، عزت إبراهيم الدوري نائب الرئيس العراقي السابق صدام حسينالمشرف على "جيش النقشبندية"، اضافة الى مسلحي العشائر وبقايا حزب البعث. 
اذا، ما يجري في العراق ليس من صنع "داعش" فقط، بل هو نتيجة شعور عميق عند أهل العرب السنة بالغبن، مما يدخل الازمة في نفق طويل ان لم تشتغل ماكينات التسويات السياسية بايجاد "حلول" مقنعة تبرّد نار أهل السنة.
 
في الخلاصة

بعد هذا العرض الوجيز للتطورات الميدانية، يبقى السؤال المفتوح: أي قيمة عملانية للدولة الاسلامة "والخليفة الجديد"؟
 
وبانتظار ما سينبلج في الايام القادمة، يمكننا الاستنتاج حتى الآن، ان الاعلان عن اقامة الدولة الاسلامية ومبايعة البغداي خليفا عليها، يبقى اعلانا لا حياة "دينية" له لانتفاء الشروط:
 
  • ان اعلان الخلافة يعني عمليا اعلان الحرب على كل بلد اسلامي يرفض الانضواء تحت راية البغدادي، باعتبار ان أي مسلم يرفض مبايعة الخليفة يكون "مارقا".
  • من شروط الخلافة تتمثل "بالسلطان" الكامل على الارض وليس فقط القوة العسكرية وحسب، انما فرض الغلبة والقدرة على ادارة شؤون الناس داخليا وخارجيا.. وهذا شبه مستحيل.
  • "الخلافة" تفترض أن تكون الدولة واحدة تشمل جميع بلاد المسلمين من دون حدود.. وهذا غير واقعي.
  • المراجع الدينية في العراق والأزهر وعلماء السنة في البصرة أجمعوا على رفض الارهاب واتّهام "داعش" بالعمل على شق الصف الإسلامي.
  • "الفصائل الجهادية الاسلامية في سوريا" رفضت اعلان "داعش" وبالتالي ستخوض معها معارك قاسية.
  • إسلاميو لبنان بمختلف تنظيماتهم يرفضون إعلان الخلافة الإسلامية.
 
ختاما،

في منظور الواقعية، التي تتحكم في علاقات الدول والشعوب والتنظيمات والجماعات، المرتكزة على المصالح الوجودية المشتركة والمتناقضة، تنحصر قيمة "داعش" في الاطار السياسي بنتائجه على ارض الواقع، بقطع جسر العبور البري الذي يربط ايران بالداخل السوري وشواطىء المتوسط في لبنان، ما يضع طهران امام مأزق "جيوبوليتيكي"، الامر الذي يمكن ان تستغله الولايات المتحدة الاميركية في اطار المفاوضات الجارية اليوم مع المجموعة الدولية (5+1)، ما يدفع ايران الى تقديم تنازلات كبيرة على حساب نوري المالكي والدخول في حوار مع شخصيات سنية معتدلة على قاعدة تمثيل أفضل للسنة في الحكم.
مساحة حرة JUL 02, 2014
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد