بالفيديو - رمزي عيراني: شهيد الشباب
في صبيحة الثلثاء السابع من ايار 2002 المصادف اول يوم عمل بعد عطلة عيد الفصح عند الطوائف الشرقية، نهض رمزي عيراني من نومه وهو يضحك للحياة ولو بدت كأنها لا تريد ان تضحك له هذه الأيام.
رمزي الذي يعمل كمهندس مدني في شركة توتال في منطقة كليمنصو- الحمراء لا ينقصه شيء. فهو ناجح في عمله، لديه زوجة محبة هي جوسلين الخوري عقل ولديه ملاكان هما ياسمينا البكر التي سيحتفل في هذا النهار بالذات بربيعها الخامس وجاد الأصغر ذات الثلاث سنوات. الا ان ثمة امراً بدأ يقلقه اكثر من ذي قبل، فهو يشعر في المدة الأخيرة ان نشاطه في القوات اللبنانية كمسؤول عن دائرة الجامعة اللبنانية في مصلحة الطلاب لم يعد يقابل من السلطات الأمنية بالإستدعاءات او التحذيرات فقط بل بدأ الأمر يتعدى ذلك، اذ انه غالباً ما يشعر في تنقلاته ان سيارة او اكثر تلاحقه من دون ان يبين من في داخلها عن نواياهم. فلو ان هناك رغبة باعتقاله لكان الأمر قد تم، فما حاجتهم الى ملاحقته اذاً؟ وهل ان هوية ملاحقيه هي حقاً كما يظن؟
طرد رمزي الأفكار السوداء من رأسه وذهب الى عمله وفي باله ان لا يتأخر في العودة، فاليوم يوم مميز وياسمينا تنتظر هدية والدها. عند الرابعة والثلث اتصل رمزي بزوجته جيسي كما يحب ان يناديها قبل خروجه من مكان عمله فذكرته بضرورة المرور الى قرب اوتيل فينيسيا لإصطحاب شقيقتها سينتيا لحضور عيد ميلاد ابنتهما ياسمينا.
عند الرابعة والخامسة والثلاثين اعادت جيسي الإتصال به فوجدت الخط مقفلاً، كررت المحاولة عدة مرات وتكررت النتيجة، وللحال راودها شعور غريب. انه احساس المحبين بالخطر الذي يداهم احبابهم. كيف لا ورمزي كان يتلقى الإتصالات المهددة والمرهبة.
مضى الوقت ولم يأت رمزي او يتصل، وبدأت جيسي تتأكد من حقيقة شعورها، فرمزي لا يمكن ان يكون قد استجد لديه عمل خصوصاً انه لم يسبق له ان اقفل خطه لمدة طويلة وبالأخص انه لا يريد ان يفوت عيد ميلاد ابنته التي يعشقها.
عند المساء توجهت زوجته برفقة صديقه الى محيط عمله للبحث عن سيارته “البولو كلاسيك” او عن اثر له يدلها على مصيره من دون ان تظفر بشيء، فتيقنت تمام اليقين ان رمزي قد اختطف، وصلت لله ان ينجيها من الأعظم.
ياسمينا لم تكف عن طلب والدها. اين هو؟ الا يعرف ان اليوم عيدي؟ الن يطفيء شموع العيد معي؟ والأم الحائرة لا تملك الا ان تخبرها ان رمزي إضطر للسفر على عجل. وبقيت الطفلة تسأل.
مر الليل بطيء على عائلة رمزي، مليء بأسئلة تخشى جيسي من اجاباتها: اين تراه رمزي الآن؟ هل اصابه مكروه ما؟ هل هو يضرب الآن؟ هل يعذب؟ اسئلة طردها الصباح مع نوره المفعم بالأمل.
تمسكت جيسي بالرجاء بالله وتقدمت مع بدء دوام العمل عبر وكيليها سليمان لبس وريشار شمعون بدعويين: الأولى لدى النيابة العامة التمييزية والثانية لدى النيابة العامة الإستئنافية في بيروت، فالإعتقاد الذي ساد هو ان رمزي قد يكون موقوفاً لدى احد الأجهزة الأمنية اللبنانية كونه ناشطاً في صفوف القوات اللبنانية، والدولة في حينها لا تحب الا الكسالى مطأطأي الرؤوس الذين لا تجدهم في صفوف القوات اللبنانية.
كلما مر الوقت كان القلق والخوف من المجهول يزدادان. امين سر نقابة المهندسين الذي تبلغ المسألة اتصل بالنقيب السابق للمهندسين(حينها) سمير ضومط مستفسراً عما يمكن فعله. ارتفعت وتيرة الإتصالات لكن شيئاً جديداً لم يحصل.
بعد مضي عشرين ساعة على اختطاف رمزي فتح خط هاتفه الخليوي لمدة اربع دقائق من دون ان يعرف الهدف الحقيقي منه.
مساء الأربعاء وفيما كان في اعالي كسروان مع مجموعة من اصدقائه تلقى رفيق رمزي في مصلحة الطلاب اليانو المير اتصالاً غير واضح زعم فيه المتصل انه رفيق رمزي وانه شاهد سيارته قرب فندق الكومودور في الحمراء ومن ثم اقفل الخط. عاود اليانو الإتصال بالرقم فلم يجب احد فسارع الى ابلاغ قوى الأمن الداخلي بالذي حصل فكانت النتيجة ان استدعي الى التحقيق مع رفاقه حين لم يعثر على السيارة في المكان المذكور وبقي الحال على حاله… .
في 16 ايار تلقى صديق آخر لرمزي هو جان ابي نجم اتصالاً على هاتفه النقال زعم فيه المتصل ان السيارة تركن امام فندق “سي روك”. تبلغت اجهزة الأمن بالموضوع فطلبت من ابي نجم مرافقة احد التحريين الى المكان المشار اليه للتحقق من صحة الإتصال فأتت النتيجة سلبية. في 17 ايار زار شاهد منزل والدته في الأشرفية مدعياً انه شاهد عملية اختطاف رمزي. تم الإتصال بالقوى الأمنية فاقتادت الشاهد وحققت معه ليومين متتاليين وخرجت بخلاصة مفادها بأنه مختل وزعمت انها اخلت سبيله لاحقا.
في 21 ايار ابلغت سيدة لدى توقفها بالقرب من فندق “سي روك” الأجهزة الأمنية انها اشتمت رائحة كريهة منبعثة من سيارة بولو سوداء تركن قرب الفندق المذكور. كشفت القوى الأمنية على السيارة فوجدت جثة متحللة في الصندوق. رئيس مصلحة الطلاب سلمان سماحة الذي اتصل به احد الأمنيين للتأكد من الجثة سارع الى كاراكاس فصعب عليه التعرف عليها نظراً للتشويه الذي اصابها. الطبيب الشرعي قال ان الوفاة حصلت قبل اربعة ايام من ظهور الجثة اي عشرة ايام بعد اختطافه.
رحل رمزي عيراني شهيداً عن 36 عاماً ولم يعط لطفلته هدية العيد التي اكد التقرير الأمني ان رمزي كان قد اشتراها من محلات بابا سمير.
رحل وزوجته لم تزل تسأل، ترى كيف امضى تلك الأيام العشرة؟ واين كانوا يحتجزونه؟ هل عذبوه؟ هل كان يأكل؟ هل كان ينام؟ وبماذا كان يفكر؟
ايا رمزي يا شهيد الشباب، يا ساكن في السماء، لا تحزن ان لم تستطع ان تعطي لابنتك هديتها على الموعد، فأنت كنت على موعد مع القضية وقدمت نفسك هدية للوطن الذي لم يكن ليبقى لولا لم تكن انت في طليعة الذين رفعوا الصوت بوجه الإحتلال.
لمشاهدة الفيديو: إضغط هنا