في ذلك الرّبيع من عام ١٩٨١
لَمْ يتعلّم الطّامع من تجربة حرب المئة يوم في الأشرفيّة، بل صبّ أحقاده وصوّب بنادقه نحو زحلة، متناسيًا حقيقة أنّ "شعبًا لا يرضى بالهزيمة من غير الممكن هَزيمته"! فكلّ من عاش معركة البقاء والصمود، ذاك الصّراع بين أصحاب الأرض والمعتدي، يشهدُ أنّ راجمات السّوريّ لم تتوقّف عن إطلاق القذائف إلّا لتذخّر، ويَروي أنّ نيران العدوّ حاولت جاهدةً كسرَ عزيمة الأحرار الزّحالنة وإخضاعهم... وفشلت.
٢ نيسان ١٩٨١: "أو بتفلّوا أو بتبقوا وبتموتوا أبطال"
شنّت القوّات السّوريّة حربها على "مربى الأسودي" ودفعت الثّمن في يومها الأوّل، بعد أشهرٍ عديدة من ظهور بوادر هجوم سوريّ على المدينة وتحضّر "القوّات" للدّفاع عنها.
في التّفاصيل، وبعد تقدّم قوّةٍ من الجيش السّوريّ باتّجاه تلّة حرقات مزوّدة بجرّافة بهدف تحصين موقعها للقتال، قامت مجموعة من عناصر "القوّات اللبنانيّة" بقصف الجرّافة السّوريّة وتدميرها، ما دفع السّوريين إلى طلب الدّعم. فساندتهم سريعًا دبابات وملّالات سرعان ما دمّرت من قبل "كوبرا ورفاقه" منذرين السّوريّ بجهوزيّة تامّة لمقاومة كلّ متطاول على عرين المقاومين.
٩٠ يومًا من الحصار عرفته المدينة، كلّ جريح سقط في القتال كان "مشروع شهيد" نظرًا لصعوبة تأمين مستلزمات تطبيبه. دُفِن كلّ شهيدٍ في قلب الثّلوج التي زادت الحصار حصارًا، وجعلت من المعركة أشدّ قساوة. ومن قال أنّنا كنّا نهوى المعارك السّهلة؟
أُقفلت المدارس وقُصفت المنازل والمستشفيات وسقط الكثير من الأبرياء... الكثير من الأطفال والكهلة القديسين. ولم تُضعف كلّ هذه الأمور عزيمة الزّحالنة الذين أقسموا باسم سيّدة زحلة وقطعوا وعدًا لها بتطهير منطقتهم من كلّ وطأة غريب.
٣٠ حزيران ١٩٨١: فليشهد التّاريخ على انتصارنا
كان لا بدّ من أن يفكّ الحصار السوري وينسحب جيشه مسحوقًا مهزومًا.
انتصرت زحلة، وفى أهلها بالوعد وبقيت شامخةً ونجمًا في سماء الحرّيّة الجميلة. فور إتمام المهمّة عاد مقاتلوا "القوّات" إلى مناطقهم ليوقّعوا مجدّدًا على سطور التّاريخ ويخبروا عن بقعةٍ عصيت جحافلُ الغدر عن احتلالها.
زحله... دار السّلام والكرامة
ختامًا، كلمةٌ وجدانيّة خصّ بها عضو تكتّل "الجمهوريّة القويّة" سعادة النائب جورج عقيص موقعنا، يخاطب من خلالها عروسة البقاع وأهلها وأرواح شهدائها الأبرار بعد مرور ٣٨ عام على المعركة:
"في تراث زحلة أنشودة تتناقلها الأجيال عن أنّها دار السّلام والألفة وفِي الوقت عينه مربى الأسود.
تجدّد وقع هذا النشيد تجدّد وازداد وهجه في ذلك الربيع من العام ١٩٨١، حيث أزهرت تلال زحلة وواديها أزهار الحريّة والكرامة. في ذلك الربيع وقف رجال أسود في وجه جيش طامعٍ غاشمٍ محتلّ. أراد من زحلة تعويض ذلّ الأشرفية قبل أعوامٍ، فكان درس زحلة شبيهًا لدرس الأشرفية، حيث قاوم أهل الأرض غزاتها وخرجوا من معركة الأشهر الثلاث مرفوعي الرأس.
اليوم، وبعد ٣٨ سنة على معركة زحلة، نستذكر شهداءنا الأبطال ونترحّم عليهم ونرفع رأسنا بهم ونزهو بزحلةٍ دخلت تاريخ المقاومة وكتبت صفحة مجيدة منه بدماء أبنائها وصمودهم".