لطالما كان التذمّر من عادة اللبنانيين، فكلّ حقبة تمتاز بنوعها الخاص من التذمّر. هي خاصّية اعتدنا اللجوء إليها متى أدركنا عجزنا الوهمي عن تغيير وضعنا الحالي؛ الأمر المضحك والمبكي. لكن من الناحية الإيجابية، نجد في داخلنا غريزة النجاة أو الصراع حتى البقاء، الأمر الذي يجعلنا نتأقلم مع أي وضع، ولا نأبه ونعي أضراره أو حسناته. حتّى متى سنبقى منتظرين أن يأتي من يرى التغيير حاجة ملحّة؟ إلى متى سنبقى في حالة مشاهد غير فاعل في شريط حياته التي تبدو، وإن بقيت على هذا الحال، نهايتها مؤلمة؟
على الرغم من هذه البداية الحزينة، إلا أن لبنان يملك الآن مفتاحًا يمكّنه، وإن استُخدم بشكلٍ فعّال، أن يبصر النور بعد ليل طويل. إذ حُدّد موعد الانتخابات النيابية في ٢١ أيار٢٠٢٢. وتتجسّد الورقة الرابحة التي يمكن أن يستفيد منها لبنان في مشاركة الشباب في الانتخابات والتغيير الذي يمكن أن يحدثه. لذا تتيح عملية الانتخابات الديمقراطية، تسوية الصراعات السياسية بطرق سلمية، وإمكانية التعبير عن المعارضة حال فوزها في الانتخابات، ما يطرح حلولًا للمسائل الهامة التي يواجهها أي نظام سياسي.
وفي ظل الإطار اللبناني المنقسم، غالبًا ما تكون نشاطات الشباب عبر الأحزاب السياسية أو المجموعات المحسوبة على فريق سياسي معيّن. يقول غاندي " كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم." وبعد كل هذه الظروف المريرة التي شهدها اللبنانيون، يقبع داخل كل شاب وشابة عطش للتغيير وشعور متأتٍّ من حقد على السلطة الحاكمة التي لم تتسبب التدهور للبنان وحسب، بل أعادته سنوات إلى الوراء. وبالتالي، ينبغي على الجميع ألّا يستخفّ بغضب الشباب الذين أُجبروا إمّا على الخضوع للواقع الذليل حيث لا مستقبل ولا فرصة للنجاح، إمّا اضطرّوا الابتعاد عن عائلاتهم ووطنهم والارتماء في أرض تستفيد من طاقاتهم لتنمو وتتطور. فهم يعون مسؤوليتهم تجاه الوطن، وستقودهم رغبتهم للمحاسبة يوم الانتخابات إلى مراكز الاقتراع. كما ستُترجم رؤيتهم للبنان السيد الحر المستقل بخيارهم الذي سيتفجّر من داخل الصناديق ليعبّر عن صمتهم الذي دام سنوات؛ ولا يقف طموحهم عند الانتخابات النيابية فحسب، بل هم متعطّشون لإسقاط مَن كان سبب الذل الذي اختبروه.
وفي هذا الإطار، يشكّل الشباب شريحة كبيرة من اللبنانيين، وأصواتهم يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا. القرار بيدهم، وحتى قبل الإعلان عن موعد الانتخابات هم على استعداد، وكلّ منهم يستثمر طاقاته في هذه الانتخابات، كما يعبّر دعمهم للمرشحين عمّا يرون فيهم خشبة خلاص للبنان. سترونهم مندوبين في صناديق الاقتراع يواكبون العمليّة الانتخابية بتفاصيلها، ومقترعين في الصفوف الأمامية، وداعمين لمن يشاركهم رؤيتهم، وواثقين من موقفهم، ومستعدّين لرفض كل من لا يعمل لمصلحة لبنان. الكلمة الحاسمة لهم وما من أحد سيمنعهم من إلقائها.
ولا بدّ من كل مواطن، ولا سيّما الشباب، لا يولي الانتخابات اهتمامًا واستولى عليه اليأس وفقد الأمل بلبنان، أن يعلم بأن صمته مسموع، لكن صوته سيغيّر المعادلة. الوقوف في وجه الفساد هو خيار يترجم داخل صناديق الاقتراع. كلّنا نعي لأخطاء الذين سبقونا، ونحن كشباب نختار المحاسبة من خلال المشاركة في الانتخابات.