يأتي الثالث من أيّار في كلّ سنة، حتى يتوقف عنده الصحافيّون والإعلاميّون ليذكّروا فيه حكوماتهم بضرورة احترام حريّاتهم وصون حقوقهم. وبحسب المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "لكلّ شخص حقّ التمتع بحريّة الرأي والتعبير ويشمل هذا الحقّ حريّته في اعتناق الآراء من دون مضايقة...". فهل يشمل هذا الإعلان الصحافيّين والإعلاميّين؟ ممّا لا شكّ فيه أنّ الصحافة اليوم ولا سيّما في لبنان، تواجه العراقيل وتتعرض للضغوطات سواء على الصعيد السياسيّ أو الماليّ أو الاقتصاديّ.
وفي هذا الإطار، أشار وزير الإعلام السابق ملحم الرياشي في حديث إلى موقع مصلحة الطلّاب في "القوّات"، إلى أنّ "لا حدود للحريّة، إنّما ثمّة معايير يجب الاعتماد عليها كاحترام الآخر، وتكون ممارسة الحريّة في المطلق من دون إهانة الآخرين أو توجيه الاتهامات العشوائية غير المبنية على ركائز". وأضاف "الحريّة والحدود كلمتان لا تلتقيان سويًّا، فالحدود عبارة عن قيود حيث تغيب الحريّة".
وأكّد الرياشي أنّ "الإعلام ليس سلطة رابعة"، موضحًا أنّ "الإعلام هو السلطة الأولى بالتوازي مع السلطات الثلاث، وبالتالي هو ليس أقلّ قيمة أو أكثر منها. فقد يهدّد الإعلام السلطات الثلاث ويحميها؛ والدليل على ذلك أنّ في الولايات المتحدة الأميركية، استطاع الإعلام أن يُسقط رئيس الجمهورية عام 1974. كما يلعب الإعلام دور "محامي الدفاع" عن الرأي العام والحقائق الكبرى والثقافات والحضارات وأيّ مشروع دفاع يمكن أن يتطرق إليه؛ هو العين الساهرة حتى للسلطة بشكل أو بآخر، ويكون بالتّالي التكامل بين السلطة والرأي العام". وأشار الرياشي إلى أنّ "الإعلام يتطوّر خاصةً مع التطور التكنولوجي الحاصل والمترافق مع التطور الفكري؛ الفكر أساس التطور ومعه يتطوّر الإعلام".
وبالنسبة إلى قوانين الإعلام في لبنان، أفاد الرياشي إنّ "ثمّة استحالة في تطبيقها عمليًا وهي "قاسية"، والحريّة التي يمارسها الصحافي أبعد بكثير من القوانين". وشدّد على "ضرورة تعديل تلك القوانين سواء لصالح الحريّة أو لصالح الالتزام بمفاهيم الدولة. إذ تتطلب القوانين تنظيمًا لمهنة الإعلام واحترام الفرق بين المحرّر والصحافي وأيّ ناشط على وسائل التواصل الاجتماعي. فلكلّ مَن يمارس مهنة الإعلام حقوقه ضمن القانون".
ووجّه الرياشي كلمة لطلّاب الصحافة قائلًا "ينبغي أن يكونوا متحدّين ليتمكنوا من تشكيل نقابة تحمي حصانتهم النقابية وتحدّد مفهومًا واحدًا للتعاقد مع الإعلاميين، مع ضرورة إنشاء صندوق تعاضد مهنيّ وصحيّ وصندوق تقاعد للإعلاميين والصحافيّين"، داعيًا إيّاهم إلى "البقاء على جهوزية تامّة لابتكار أفكار جديدة ومواكِبة للإعلام، والحفاظ على الجديّة في مهنتهم المستقبلية من دون الذهاب إلى التصفيق والتسخيف لأنّهم لا يدومون بل الحقيقة وحدها التي تدوم".
ومن جهة أخرى، أفاد رئيس قسم المحليّات في صحيفة نداء الوطن الصحافي محمد نمر، إنّ "واقع الإعلام المكتوب في لبنان يرتبط بحال البلد ووضعه السياسيّ لا سيّما أنّ بعض المؤسسات تمتلكها عائلات مموّلة من أحزاب سياسيّة أو تابعة للأحزاب. ومع التطور الحاصل ودخول مواقع التواصل الاجتماعي الخطّ، تراجع استخدام الجرائد الورقية بعد أن أقفل العديد منها، عندها تحوّلت الصحف من خبرية إلى صحف تحليلية. وعلى الرغم من هذا التغيير، إلّا أنّ أغلبية الناس فضّلت الاعتماد على مواقع الصحف الالكترونية عوضًا عن الصحف الورقية. وقد نشهد خلال السنوات القادمة انتهاءً للصحف الورقية لا سيّما وأنّ التكاليف ارتفعت، وسيكون التوجّه نحو الإعلام الالكتروني والبديل ممثلًا بمواقع التواصل الاجتماعي الذي بدأ ينظّم منصة إعلامية أساسيّة في المجتمع". وأضاف إنّ "على الرغم من كلّ الأزمات، إلّا أنّ للصحف رونقها الخاصّ فضلًا عن آلية النشر الثابت التي تعتمدها".
كما تحدث نمر عن الآلية المعتمدة للبحث عن المعلومة لا سيّما وأنّ ليس كل ما يُنشر يُسمى صحافة وحقيقة. لكن مع تطوّر وسائل تواصل الاجتماعيّ، يمكننا الحصول على الخبر من المصدر الحقيقي، وعلى سبيل المثال تغريدات السياسيّين التي باتت تحرّك الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وشدّد نمر على أنّ "الإعلام يتأثر بالبلد الذي يقع فيه، فمثلًا في زمن الوصاية السورية فُرضت قيود كثيرة كإغلاق قناة الـ"MTV"، أو ما حصل مؤخرًا في أزمة كورونا حين حاول البعض قمع وسائل الإعلام ولكن لم ينجحوا بها".
وبالنسبة إلى الإعلام الالكتروني أو غيره، فلا بدّ من عملية تنظيم خاصّة إذ إنّ مواقع عديدة لا تزال تنشر معلومات خاطئة أو شائعات. وتكون عملية التنظيم من دون التأثير على حريّة الرأي والتعبير، فيحقّ للجميع التعبير عن مواقفهم وآرائهم.
كما تؤكد مراسلة إذاعة لبنان الحرّ الصحافية ستريدا بعينو أنّ "الصحافة رسالة أكثر من مهنة". وبحسب خبرتها كمذيعة أخبار في مجال الصحافة الرقميّة والتلفزيونيّة والإذاعيّة، تشير إلى أنّ المراسل يأخذ الجزء الأكبر من الصحافة "وين ما بتكبيه بوسائل الإعلام بيجي واقف" إذ يهدف إلى جمع المعلومات من مصدرها وتحريرها ونقلها. وينبغي على كلّ مراسل أن يكون حياديًّا في تغطية الأخبار ونقلها بموضوعيّة مع التجرد من مشاعره وانتماءاته".
وعن أبرز المشاكل التي يعانيها الإعلامي اليوم، شدّدت بعينو على أنّ "في ظلّ انتشار وباء الكورونا المستجد، لم يتوقف الصحافي عن التغطيات والتنقل للوصول إلى الأخبار من مصادرها الموثوقة، ممّا يشكّل خطرًا عليه بالإصابة بالمرض ونقله إلى عائلته. إضافة إلى التحديات التي يواجهها الصحافي على أرض الواقع خلال تغطية بعض الأحداث، قد يتعرض للضرب عن طريق الخطأ أو يتلقى الشتائم، عدا عن الضغط النفسي في حال احتدّت المعركة بين عناصر القوى الأمنية والمتظاهرين".
وبالتّالي، انخفضت فرص العمل في مجال الصحافة التي باتت شبه معدومة مع تردّي الأوضاع الاقتصادية في البلد، بعد أن أقفلت قنوات تلفزيونيّة وإذاعات وصحف أبوابها تباعًا، وبعد أن عانت ضيقة وعمدت بعض وسائل الإعلام إلى صرف عدد كبير من موظفيها.
أمّا في الشقّ المتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي، فقالت بعينو إنّ "ممّا لا شكّ فيه أنّ الصحافي بات يستعين كثيرًا بهذه المنصات بعدما أصبحت مصدرًا مهمًّا للمعلومات بفضل الصفحات والحسابات الخاصّة التي يطلّ عبرها السياسيّون والاقتصاديّون والفنانون والرياضيّون وغيرهم للتواصل مع جمهورهم، كما يلجؤون إليها للتعبير عن آرائهم أو أفكارهم أو قصائدهم، ويتبادلون أطراف الحديث مع الأصدقاء أو الزملاء في المهنة". وأكّدت بعينو في الختام أنّها لا تعارض "الصحافي الذي يعبّر عن آرائه عبر صفحته الخاصّة، لكن ينبغي أن يتحمّل مسؤولية كلّ ما ينشره".