ككلّ سنة، يتسارع ويتصارع الجميع لمعايدتك، تتزايد الأشعار وتتكاثر التّحيّات، ليعود وينقضي النّهار وتعودين إلى الهامش اليومي الذي رسموه لك.
إلى متى ستظلّين خائفة من تجاوز هذا الهامش؟ ألم يحن الوقت لكتابة أحرفك على السّطور وفي وسط الورقة ليستنير العالم من عزمك وقوّتك؟
في الواقع، إنّ المرأة هي حجر الأساس في بناء المجتمعات، إذ إنّها المدرسة الأولى الّتي تتكوّن فيها شخصيّة الإنسان لذلك وجب على الشّعوب إحترام حقوقها ودعمها وإحترام عملها، مجهودها الفكري وإنجازاتها. فالمجتمع الّذي يترك أطفاله في أحضان إمرأة محجّمة ومسلوبة الحريّة والتّفكير، لا يمكنه أن ينتظر من أفراده خدمة صحيحة وسليمة.
فتطوّر المجتمعات وتقدّمها، يعتمد على مثابرة المرأة وعزمها على إثبات وجودها وقدرتها على تحمّل المسؤوليّات. إذ إنّها قد أثبتت على مرّ العصور عن مدى إصرارها للوصول إلى ما تطمح إليه وبأنّها رغم من كلّ الصّعوبات تحدّت وناضلت من أجل بناء ذاتها لتتمكّن من بناء ومساندة مَ حولها.
وكما قال أرسطو: "المرأة طائر جميل، تقتله الأقفاص"، فلا يليق بالمرأة إلّا الحريّة، إذ إنّ عملها يزدهر وينتج أكثر فأكثر كلّ ما كانت حرّة غير خائفة من نظرات محيطها، لا تهاب قوانين أو عادات مشحفة ومحطّمة لأمالها. والمرأة كالغصن الرطب، تميل مع هبوب الرّياح إلى كل حدب، ولكنها لا تنكسر في العاصفة، فمهما مرّت عليها أزمات وصعوبات تبقى صامدة متحلّيةً بالصّبر، متأمّلةً بأنّ شمسها ستسطع وبأنّ ربيع مستقبلها سيزهر.
لا شكّ بأنّ المرأة اليوم قد إحتلّت مراتب مهمّة ومسؤوليّات في الحقل الإجتماعي والسّياسي، وخير مثال عن المرأة الكادحة والمثابرة والجبارة، هي المرأة اللّبنانيّة. كانت مناضلة ومحاربة في الحروب الّتي مرّت بها البلاد، كانت المتظاهرة المشاغبة الّتي سعت لتحرير وطنها، كانت الأمّ، الإبنة، الأخت والحبيبة الّتي ذاقت حرمان ولوعة غياب أحبّائها. ورغم هذه الظّروف ظلّت قويّة وجبّارة وإستحقّت بجدارة ما وصلت إليه اليوم. ولكن هذا لا يعني أنّها حصلت على جميع حقوقها، لذلك عليها مضاعفة جهودها والضّغط على السّلطات المعنيّة لإستكمال إنتصاراتها.
فعلاً هي مجاهدة وقويّة، ولكنّها تبقى القلب الحنون, الكتف السّاند لمحيطها، وبالأخص رمز الجمال والغزل ومصدر الشّعر والادب، فإنّ رقّتها منبع قوّتها.
يعايدونك في ٨ آذار من كلّ سنة، غير مدركين أنّ كلّ يوم جديد هو عيدك لأنّك تعطين الحياة لكلّ كائن بشري وبأنّك جسر العبور بين اللّه والأرض. فإفتخري أنت المختارة لإنقاذ الأوطان والمجتمعات، وكما قال كارل ماركس: "التّغيرات الاجتماعيّة العظيمة مُستحيلة دون ثورة نسائيّة، وتقدّم أيّ مُجتمع يُقاس من خلال وضع المرأة فيه".