لعلنا نقول أن إصلاح المجتمع يبدأ من إصلاح وضع المرأة فيه، فهي العامود الفقري للهيكل الإنسانيّ فيما يعتبرها البعض "نقطة ضعف في المجتمع". هذا البعض أيضاً ينظر لها من منظار دونيّ متخلف بعيداً كل البعد عن واقعها اليوم وعن الإنجازات التّي تحرزها سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً، نعم، إنجازات في الوقت الذّي يحاول البعض ممارسة التعتيم على دورها. فهي الآن في القرن الواحد والعشرين تحرّرت وتحدّت جميع القيود العرفية والتقليدية القديمة محاربةً إياها بالعلم والثقافة والمعرفة. أين المرأة اليوم في الحياة السّياسيّة؟
على الرّغم من كون لبنان أوّل بلدٍ عربيٍّ يعطي المرأة حقّ التّرشّح والتّصويت منذ عام ١٩٥٣، لم تستطع المرأة اللّبنانيّة الّتي تشكّل ٥٦٪ من الشّعب اللّبنانيّ أن تجد لها موقفًا من الناحية السّياسة، فلم تتعدّ مشاركة المرأة في البرلمان اللّبنانيّ في أحسن حالتها ستّ نساء.
من ضمن إحصاءٍ أخير على ٢١ عينة من الرجال من مختلف المناطق اللّبنانيّة جاءت الأجوبة على سؤال "هل اعتلت المرأة اليوم المناصب العليا في الإدارة؟" على الشكل التالي:
-٢ أجابوا بغالباً
-١٧ أجابوا بأحياناً
-٢ أجابوا بنادرًا
يتبيّن من خلال الأجوبة أنّ الرّجال لا يجزمون إعتلاء المرأة دومًا للمناصب العليا ولا يجدون بأسًا في ذلك.
أمّا عن الموانع الّتي حلّت دون بلوغ المرأة مناصب أرقى من منصبها في العمل، أجاب الرجل اللبنانيّ:
-موانع من الأولاد (عينتين)
-موانع من المجتمع (١١ عينة)
-التّدخّلات السّياسيّة والطّائفيّة (عيّنة واحدة)
-
فاليوم فازت ٦ نساء بمقاعد في البرلمان اللبناني الجديد ومع أن هذا العدد يعتبر ضئيلاً مقارنة بمجموع عدد النواب في البرلمان اللبناني المؤلف من ١٢٨ نائبا، إلا أنه العدد الأكبر من النساء الذي يصل للندوة البرلمانية اللبنانية منذ تأسيسها في عشرينيات القرن الماضي.
فلا يمكن أن نتحدث عن الإنماء دون ذكر النائب "ستريدا جعجع" التّي حققت إنماءاً شاملاً ومتوازناً في جبة بشري. لطالما كان هدفها الأول والأخير إبقاء إبن الجبة متجذراً بأرضه. وذلك من خلال الإهتمام بالسياحة والزراعة والإقتصاد في المنطقة؛ سياحياً من خلال مهرجانات الأرز الدولية ومؤخراً الإهتمام بوادي قاديشا والسّعي إلى إبقائه على لائحة التّراث العالمي.
إقتصادياً من خلال إنشاء معمل عرابة التفاح الّذي سيجعل إنتاج التفاح مهيئاً للتصدير وموافقاً للمواصفات المطلوبة عالمياً. إضافة إلى الإهتمام بالبنى التحتية والطرقات والمستشفى وبيت الطالب الجامعي. كيف لنا أن نتحدث عن أهمية المرأة في الحياة السّياسية من دون ذكر وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية "ميّ شدياق"، "الشهيدة الحيّة"، مثال الإمرأة الصامدة التّي تحدت نفسها وجميع الّذين حاولوا إبعادها عن الحياة السياسية.
واليوم "ريا الحفار الحسن"، أول امرأة تقود وزارة الداخلية في تاريخ الجمهورية اللبنانية، حيث عُيّنت في ٣١ كانون الثاني ٢٠١٩ في حكومة الرئيس سعد الحريري. وكانت سابقًا وزيرة المال في لبنان. إضافةً إلى إشغالها مناصب عديدة قبل توليها هذا المنصب منها:
عملت في الفترة من عام ٢٠٠٠ إلى عام ٢٠٠٣ كمستشار لوزير الاقتصاد والتجارة، بالفترة من عام ٢٠٠٥ إلى عام ٢٠٠٩ عملت في مكتب رئيس الوزراء فؤاد السنيورة. وقد عملت على تطوير برنامج الحكومة الاقتصادي والاجتماعي في مؤتمري باريس ٢ و٣ المخصص للمساعدات الدولية للبنان.
أخيراً وليس آخراً إن ترقي المرأة في المجتمع وتوليها المناصب العليا، لا يتم إلاّ من خلال وجود أرضية خصبة ينشأ فيها مبدأ اللاعنصرية والكفاءة بدلاً عن المحسوبية والوساطة في التوظيف، أي وبمعنى آخر الإرتقاء في مستوى الفكر الإنسانيّ.