شكلت مشاركة رئيس حزب "القوات اللبنانية" د. سمير جعجع في اللقاء التشاوري في بعبدا مفاجاءات عدة. إذ لم تكن مشاركته في اللقاء متوقّعة. ثم أن المصافحة بينه وبين رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية أخذت حيزاً واسعاً من اهتمام الصحافة والرأي العام.
ولكن وردت نقطة اساسية في البيان الختامي للقاء وتحفظ عليها "الحكيم"، ويتوجّب التوقف عندها: انه بند الغاء الطائفية السياسية. وأكد جعجع "أن الاستقرار الذي ينعم به لبنان خلافاً للحروب الموجودة في المنطقة هو نتيجة التنوع الموجود والقائم على التوازن الدقيق بين المجموعات اللبنانية والذي جنب لبنان الكوارث التي تشهدها المنطقة، ورأى أن النموذج اللبناني الذي وصفه البابا يوحنا بولس الثاني بوطن الرسالة يجب الحفاظ عليه".
انطلاقاً من هذا الموقف، يجدر الإنتباه إلى أن المشكلة الاساسية في لبنان ليست في النظام الطائفي إنما تكمن في حزب يمتلك السلاح ويصادر قرار الدولة والشعب اللبناني ولا يعترف بلبنان كدولة نهائية ذات سيادة بل يربطه بدولة أخرى ضمن مشروع ديني لا يقيم اعتباراً لأي حدود. ومن هنا التشديد على أن اول إصلاح يجدر الشروع به هو حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية إذ لا جدوى من أي اصلاح آخر نقوم به في ظل وجود السلاح.
ويجب توضيح المفاهيم لكي لا يتم الخلط في ما بينها. فالطائفة في لبنان ليست عبارة عن مجموعة دينية، بل هي مجموعة تتشارك في ما بينها ثقافة خاصة وتاريخ مشترك وخيارات سياسية وعادات وتقاليد ونمط عيش بالإضافةإلى مجموعة من المعايير الأخرى. أما العامل الديني فهو ليس بمعيارٍ اساسيٍّ في تحديد مفهوم الطائفة.
وقد يستغرب القارئ مما سبق وذكرته، لكن هناك امثلة عديدة عن افراد غير مؤمين دينياً، ولكن يتمتعون بحس انتماء الى طائفتهم. فالانتماء الى طائفة معينة غير مرتبط بالايمان الديني. فإذًا يهدف النظام الطائفي إلى تأمين تمثيل الطوائف في السلطة السياسية بغية المحافظة على دورها وعدم شعور أي طائفة بأنها مغبونة من طوائف أخرى. والمبدأ عينه قائم في جميع الدول التي تحتوي مجموعات مختلفة إن كان ذلك على اساس ثقافي أو لغوي أو عرقي...
من هنا، إن مبدأ العلمانية لا يتناقض مع الطائفيّة السياسيّة. فجوهر العلمانّية هو فصل الدين عن الدولة. وإذا سلّمنا جدلاً أن الطوائف ليست مجموعات دينية بل مجموعات تختلف في ما بينها على أساس معايير أخرى ذكرتها سابقاً، نستنتج إمكانية تطبيق العلمانية بشكل كامل في دولة متعددة طائفياً. وأعترف أن لبنان لم يتمكن من تحقيق العلمانية الكاملة نظراً لوجود محاكم روحية تتولى في بعض الحالات إقامة الرابط بينه وبين الدولة، ولكن لا يشكل إلغاء هذه المحاكم مساً بمبدأ الطائفية السياسية. فلا يجب تحميل النظام الطائفي برمته مسؤولية عدم اقرار قانون الزواج المدني وقوانين أخرى متعلقة بالأحوال الشخصية، ولا يجب الربط بين اقرار هذه القوانين وإسقاط النظام الطائفي منعاً لخلط المفاهيم.
ومن البديهي القول أن النظام الحالي تشوبه شوائب عدة. لكن المطلوب أولاً هو السماح لاتفاق الطائف أن يطبق كما وضع لا كما فرضه السوريون خلال زمن الوصاية وكما يسعى البعض للمحافظة عليه حتى وقتنا هذا. إن الأنظمة ليست منزلة، ولكن التطبيق الكامل للدستور الحالي سيمكننا من تشخيص الخلل القائم ومن ثم نقوم بادخال التعديلات اللازمة.
وفضلًا عن ذلك، إن المبدأ الثابت هو أن أي نظام سياسي لا يراعي التنوع الطائفي والتمايز الايجابي داخل المجتمع اللبناني لن يستقيم وسيولّد صراعات داخلية جديدة. لذلك علينا أوّلاً أن نسعى لبناء دولة قوية تحصر السلاح بيدها، وتكون الأساس الصلب لأي طروحات جديدة بعد استخلاص الشوائب في النظام الحالي.