26 نيسان 2005 يومٌ حُفر في تاريخ لبنان؛ تجلّت فيه تضحيات المقاومين والمناضلين واستشهادهم، وانتهت بانتصارٍ عظيم على طغيان الاحتلال وبطشه ليُسمّى بالاستقلال الثاني. تدخّل النظام السوريّ الإرهابي بالشؤون اللبنانيّة وزرع الفتن بين اللبنانيين وتمكّن من بسط حكمه الفعليّ والكامل على لبنان عام 1990. خرج مُذلّاً تحت صوت زئير اللّبنانيين الأحرار الموحَّدين ضمن خطّ تخطى المصالح الطائفية مطالبين بالحريّة والسيادة والاستقلال.
ما إن سُدِلَت السّتائر على مسرح هذه الحقبة، حتّى تبيّن أنّ الخروج السّوري، وعلى الرغم من العبء الذي أزاله عن لبنان، إلّا أنّه ترك وراءه أعباء مشابهة مقنّعة ومختبئة ضمن المنظومة السياسيّة اللبنانيّة. خلال تواجده في لبنان، عمل النظام الأمني السوريّ على توطيد احتلاله من خلال تشديد حكمه على مفاصل السلطة اللبنانيّة لجعلها دمية بين يديه، إذ خلّف آثاراً ما زلنا نشعر بسوئها حتّى اليوم.
الانقلاب على الديمقراطية
عمل نظام الأمني السوريّ - اللبنانيّ خلال ثلاثين عامًا من احتلاله على نسف التّمثيل الحقيقي للناخبين بغية التحكم بالقرار اللبنانيّ، وبدأ بتطبيق القانون الانتخابي عام 1992 الذي كان بعيداً عن بنود اتفاق الطائف والتّلاعب بحجم الدوائر الانتخابيّة وأعداد المقاعد النيابيّة التي وُزّعت بشكلٍ متفاوت مناطقيّاً وطائفياً، من دون مراعاة للديمقراطية التمثيليّة، فضلًا عن قمع أيّ معارضة بطريقةٍ عنيفة كالتعذيب والاغتيالات. كانت النتيجة سلطةً مرتهنة لسوريا عيّنت أشخاصاً في أكثر المواقع تأثيراً في الدولة، وأمّنت لنفسها الاستمراريّة حيث يذهب الأوّل ليترقي الثاني ويحلّ مكانه رغم الخروج السّوري. استمرّ تلاميذ هذا النظام بذات المنهجية للعمل السياسيّ والاغتيالات ومحاولات القمع، وكانوا استكمالاً لمشروع الهيمنة على لبنان حتّى ولم يكن هيمنةً سورية؛ بالإضافة إلى الأحزاب التي عاشت عصرها الذهبي في تلك الأيّام وتغذّت من فساده واستمرّت بالعمل بعد خروجه ليصل ممثليها إلى السلطة حتّى يومنا هذا، ما يُعتبر محاولةً لاستكمال مشروعها وطغيانها.
نهب الاقتصاد اللبنانيّ
بعد انتهاء الحرب، اضطر لبنان إلى الاستدانة من الخارج لإعادة الإعمار. لكنّ النظام السوريّ نهب المليارات من المال المستدان وأخذ حصصاً كبيرةً من المشاريع التي أُقيمت، فضلًا عن عمليات أخرى للسرقة الكبيرة والصغيرة بحقّ الخزينة اللبنانيّة والمواطن اللبنانيّ. ساهم هذا النّهب الممنهج بإبقاء لبنان على سكّة الاستدانة بعد الخروج السوريّ، حتى اعتاد المسؤولون الذين عيّنهم السوريّ خلال وجوده والذين ما زالوا في أرضنا بعد خروجه، على السرقة والفساد مساهمين بتعطيل الاقتصاد أكثر فأكثر.
أخيرًا وليس آخرًا، ما برح الشّبح السوريّ يطارد وطننا ويعيق تقدّمه، لكن في هذه الذكرى وفي ظلّ خوض لبنان أبرز محنة وسط أزمات على كافة الأصعدة، لا بدّ لنا من التّحلي بروح مَن قاوم السوريّ والتمثل به كي لا تذهب تضحياتهم سدًى. فالنّضال ما زال مستمرّاً ونبقى.