عانى لبنان منذ وجوده في التاريخ وحتى اليوم، تدخلات الدول في شؤونه الداخلية، من الفراعنة في القديم، حتّى الكون بأجمعه في تاريخنا الحديث.
بعد وصول حافظ الأسد إلى سدة الرئاسة في سوريا عام 1970، توسّع دور سوريا على الساحة اللبنانية. إذ تدخّلت عسكريًّا بعد عام من بداية الحرب اللبنانية عام 1976. دخل الجيش السوري لبنان بفلك "قوّات الردع العربية" بحجّة السعي إلى وقف الاقتتال الحاصل في لبنان آنذاك. وبعض توقيع مصر اتفاقيّة "كامب دافيد" مع إسرائيل، ونظرًا إلى اعتبار النظام الأسدي أنّ لبنان جزء من سوريا، أراد إخضاعه لجعله قاعدة لضرب إسرائيل؛ إلّا أنّ المقاومة اللبنانية منعته واستطاعت إبعاده عن مناطقها حتى 13 تشرين الأوّل 1990 حين نفذت القوات السورية عملية عسكرية كبيرة احتلّت بموجبها قصر بعبدا ووزارة الدفاع وبعض المناطق اللبنانية. أمّا وبعد دخول سوريا في حلف مع الغرب لمواجهة صدام حسين عام 1991 بعد غزوه لمملكة الكويت، فأعطت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية الضوء الأخضر لسوريا بالاهتمام بالملف اللبناني، وبدأت بموجبها عهد الوصاية السورية.
فما يعني وصاية؟ وكيف كان الحال فيها؟ وهل سيصل لبنان إلى أي حلّ لأزماته المستمرّة؟
الوصاية في القانون هي حق الفرد بالتصرّف بأموال أولاده القاصرين إلى أن يبلغوا سنّ الرشد. أمّا في السياسة، فالوصاية هي كالانتداب الذي أقرّته عصبة الأمم بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، إذ تُعنى إحدى الدول الكبرى بشؤون إحدى الدول الصغرى الخاسرة في الحرب. فتهتمّ بشؤونها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلى أن تبلغ هذه الدول الشابة "سنّ الرشد" وتُعلن استقلالها وتدير شؤونها بنفسها.
وفقًا لكل من وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف) واتفاقية الدفاع والأمن بين لبنان وسوريا، كان من المفترض أن ينسحب الجيش السوري من لبنان بعد سنتين من انتخاب رئيس للجمهورية، أي بحدود العام 1992؛ لكنّه نكس بكل القوانين وقواعد السيادة اللبنانية، وبقي 15 سنة يفرض فيها سياساته وقراراته. والأكثر من ذلك، تنصّ الفقرة الواحدة والعشرون من المادة الثانية من اتفاقية الدفاع والأمن على "منع أي نشاط أو عمل أو تنظيم، في كل المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية، من شأنه إلحاق الأذى والإساءة للبلد الآخر". وبحسب هذه الفقرة، وبعد خروج العماد عون إلى فرنسا والرئيس الجميّل، وحلّ كافة الميليشيات ما عدا حزب الله، بقيَ سمير جعجع و"القوات اللبنانية" في مواجهة هذا الاحتلال، فتمّ الضغط على القضاء لاتّهام جعجع بتفجير كنيسة سيدة النجاة. لكن وللسخرية، أُعلنت براءته من هذه القضية حتى في ظل الوصاية. ولم يحترم نظام الوصاية حريّة الرأي والتعبير واتجه أكثر لإسكات الجماعات المعارضة له، وأحيانًا حتّى بقتل المعارضين له، كما رمزي عيراني وبيار بولس وطوني ضو. تكلّلت المقاومة بالدماء ليس فقط في الحرب، بل في السلم أيضًا. فكان نتيجة هذا الاستشهاد خروج السوري من لبنان بعد أن توحّد اللبنانيون لمواجهته.
تكمن مشكلة لبنان الأساسيّة في إدخاله في محاور إقليمية ودولية تمنعه من الاستقرار. إذ من دخوله للمحور السوريّ بين عامَي 1990 و2005، دخل اليوم المحور الإيرانيّ ممّا سيزيد من الانقسامات والاضطرابات السياسية وحتى الأمنية. وبالتالي، الحل الوحيد وهو إعلان حياد لبنان. فالحياد يبعد الدولة عن أي محاور أو صراعات، ما سينتج استقرارًا وتوازنًا على المستوى الداخلي، كما هو الحال بالحياد السويسري أو النمساوي.
وعلى الرغم من الظلم والبطش والاستبداد والاضطهاد الذي مارسه نظام الوصاية السورية على اللبنانيين، لم يستطع الأوّل كسر إرادة هذا الشعب الجبّار. فتمسّك اللبنانيين بالحريّة هو أساس القضية اللبنانية، كما ذكره الرئيس الشهيد بشير الجميّل في خطاب القسم: "إنّ جوهر القضية اللبنانية هو حرية شعب لا وحدة أرض". ويجب علينا أوّلًا أن نبقى صامدين وأن نتحلّى بإيمان قويّ. فهكذا استطاع أجدادنا الصمود عبر التاريخ ولم يعرفوا اليأس، لأن اليأس هو أكبر عدو للنصر. والإيمان هو ما سيوصلنا إلى النور، كما تقول الآية: "الشعبِ السالكُ في الظلمةِ أبصَرَ نورًا عظيمًا" (إشعيا 9: 1).