٢٧ شباط 1994 تاريخ لم يعد بمقدور اللبنانيون عامة والكسروانيون خاصة نسيانه، لأنه يحمل الذكرى الأليمة لتفجير كنيسة سيدة النجاة. ففي ذلك الأحد عند الساعة التاسعة والربع صباحًا خلال القداس الإلهي، وقعت الفاجعة التي أودت بعدد كبير من الأرواح. وبعد التفجير بدقائق، بدأت أصابع الاتهام تتوجه نحو حزب القوات اللبنانية وبشخص رئيسها سمير جعجع قبل إجراء أي تحقيق. وحُلّ حزب "القوات" في ٢١ آذار واعتُقل سمير جعجع بعدها في ٢١ نيسان ١٩٩٤.
لا يخفى على أحد أن في ذلك الوقت كان النظام الأمني السوري يفرض سيطرته الكاملة على الأراضي اللبنانية بمساعدة العملاء الذين يبيعون وطنهم للمناصب والسلطة والمال. وعلى الرغم من ذلك، إلا أنّ شباب "القوات" الأحرار استمرّوا برفض الاحتلال ومقاومته عبر كافة الوسائل المتاحة. وبعد اعتقال جعجع وعدد كبير من رفاقه، وبعد حلّ حزب القوات اللبنانية بتهمة تفجير سيدة النجاة، بدأ الضغط لتغيير مجريات التحقيق من خلال التعذيب والضرب لإجبار المعتقلين على الاعتراف زورًا، ما أدى إلى وفاة فوزي الراسي، كما مورست ضغوطات سياسية على القضاة ليُحكم سمير جعجع بالإعدام.
مع غياب الأدلة الملموسة وبالإضافة إلى الضغوطات الدولية وبعض القضاة النزيهين، صدر الحكم في ١٣ تموز ١٩٩٦ ببراءة سمير جعجع، غير أنه اعتُقل ١١ عامًا نتيجة ممانعته للنظام السوري. فبقي المجرم الحقيقي فاراً من دون عقاب لدى السلطات الأمنية، رغم أنه معلومًا عند اللبنانيين الأحرار. وهكذا تكون هذه الجريمة ضمن سلسلة جرائم في لبنان من دون تحقيق العدالة، إما بتجاهل الفاعل أو بمعرفة هويته من دون المقدرة على معاقبته.
هل تستطيع الدولة اللبنانية اليوم تنفيذ الحكم الصادر بحق حبيب الشرتوني أو حتّى مجرد القبض عليه، أو تنفيذ حكم المحكمة الدولية في حق المجرم سليم عياش؟ من قتل بيار جميل ووسام الحسن ومحمد شطح وسمير قصير وجبران تويني وكل شهداء ثورة الأرز؟ لا زلنا حتى اليوم نعاني اللاعدالة في أي حدث أمني على الأراضي اللبنانية، لا بل أيضًا نواجه محاولة تأثير على مجريات التحقيق والقضاء؛ وآخرها جريمة انفجار مرفأ بيروت في ٤ آب ٢٠٢٠ الذي هزّ ضمير المجتمع الدولي بأكمله من دون أن يهزّ ضمير أي مسؤول من السلطة الحاكمة التي تعيّن القضاة وتعرقل التشكيلات القضائية الجديدة لتبقى متحكمة بكل مفاصل الدولة اللبنانية. ناهيك عن سلاح غير شرعي يفرض سيطرته للتأثير على مجريات التحقيق ويتصرف وكأنه هو الدولة. وهذا السلاح نفسه هلّل لاغتيال لقمان سليم الشّيعي المعارض لمحور الممانعة وغزا عين الرمّانة بمحاولة منه لترهيب اللبنانيّين الأحرار وتطيير العدالة بانفجار مرفأ بيروت.
فبين تفجير كنيسة سيدة النجاة وكل الجرائم المرتكبة في السابق، مرورًا باغتيالات قادة ثورة الأرز وعدد من المسؤولين الأمنيين، والجرائم المالية والصفقات المشبوهة التي تقتل الشعب اللبناني يوميًا، وصولًا إلى انفجار مرفأ بيروت واغتيال لقمان سليم وغزوة عين الرمّانة، وبين ثورة الشعب اللبناني الذي داق ذرعاً وانتفض على واقعه المرير وينتظر لترجمة هذه الانتفاضة عبر صناديق الاقتراع في أيّار المقبل، لا بدّ من أن نصل للعدالة ولو بعد حين.