صحافي من دعاة الديمقراطية. كان معارضًا شرسًا للنظام السوري والنظام الأمني اللبناني السوري واحتلاله وتدخلاته في لبنان، ومناهضًا للاحتلال الإسرائيلي. هو من أبرز الشخصيات الداعمة لحركة ١٤ آذار ومؤسسيها ومنظميها ميدانيّاً وفكريّاً. كانت خطط سمير قصير بهندسة انتفاضة ٢٠٠٥ وثورة ١٤ آذار، المحطة الأكثر تجلّياً في صراعه مع النظام السوري وحلفائه في لبنان. وساهمت كتاباته في توجيه أدبيات الحركة السياسية ومواقفها للدعوة إلى استقلال لبنان عن هيمنة البعث السوري، وإلى بناء دولة الحق والقانون. وشارك بفاعلية في إطلاق الانتفاضة الشعبية في وجه الهيمنة المخابراتية السورية على لبنان، بالإضافة إلى حضوره الدائم في ساحة الشهداء. فصارت مقالاته في "النهار" صوت الانتفاضة الأعلى. أصبح قصير أحد الرموز البارزة في حركة ١٤ آذار وأحد الرؤوس المستهدَفة.
نشط قلم سمير قصير، حين خضعت السلطة الحاكمة للاحتلال السوري للبنان. عندها، ساد كم الأفواه والظلم ورضخ زعماء الوطن للخيانة والعمالة أمام إرهاب المحتل الظالم وتجبّره وطغيانه، مدجّنين بمفهوم الترهيب والترغيب، وسكرانين بجنّة السلطة والمحاصصة والفساد والصفقات، وساكتين عن قهر شعبهم ومتغاضين عن استباحة بلادهم؛ وإذ فاض حبر قلم قصير غضباً وعنفواناً ووطنية. فذكّر بكل ارتكابات العدو المحتل، أي النظام السوري وعلى رأسه بشار الأسد، وكان سمير قصير إلى جانب المرجعيات الوطنية ومن الأصوات الحرّة التي نطقت بإسم الشعب اللبناني المستباحة حريّته وكرامته، رغم تهديدات نظام الاحتلال ومخابراته الأمنيّة، مختاراً نار المواجهة والتمرّد من أجل الوطن ضدّ كل محتل، وعلى جنّة العبوديّة، كباقي عبيد بلده الذين تخلّوا عن شرف الوطنية والتحقوا بقطعان الرضوخ، مقايضين كرامة شعبهم ومسؤولياتهم تجاهه، مقابل إشباع طمعهم وحماية مناصبهم، ورافعين أوراق اعتمادهم للمحتل، ومتسابقين في درجات عمالاتهم.
كان "قصير" رجل الدولة في زمن فُقدت فيه الرجولة والدولة. زلزل قلمه عرش طاغية الشام، وأربك حكومتها وحاشيتها، وشغل مخابراتها. كان الثائر المشاغب حين انتظم الاستعباد والاستبداد، وغرّد خارج سرب الاحتلال والسلطة اللبنانية الموالية والمتخاذلة. تناغم صوته مع صوت الشعب المقهور والمظلوم حين انتظم صوت نشاز السلطة والحكام والاحتلال، وأصبح نشيد نشاز ملحَّن ونظام فوضى ودستور مُنزَل. أصبح الوطن سجنًا كبيرًا لشعبه، حيث كان السكوت واجبًا أمام نظام الاحتلال والعبودية. وكانت مقالات قصير في كل نهار في "النهار" تشكل صفعة للنظام السوري. وعلى الرغم من التهديدات الشديدة والتحكم بكافة مفاصل الدولة، إلا أنه عجز عن التحكم بقلم قصير الذي أراد أن يستشهد بطلاً، لا حيًّا جباناً خائناً، وشاهدًا حيًّا وشيطانًا أخرس على بقايا الشعب والوطن وأشلائهما ومعاناتهما.
كان النظام السوري يُحكم قبضته الأمنية على لبنان. بدأ الاشتباك بين سمير قصير والنظام الأمني المشترك اللبناني السّوري، ولم يبخل قصير في مقالاته على انتقاد السلطة الأمنية وحكم الرئيس إميل لحود ومدير الأمن العام جميل السيّد بشكل خاص. "عسكر على مين؟" مقاله الأبرز عام ٢٠٠١ الذي شكّل مرحلة جديدة من المواجهة بزخم أكبر، وبدأت على إثره ملاحقته أمنيّاً. فوجّه انتقادات لاذعة للنظام الأمني، وصودر جواز سفره على المطار بطلب من جميل السيّد. تعرّض للملاحقة والمضايقات على الطرقات في كل تحركاته وحياته الخاصّة وحياة زوجته. كما لم تغفل عين المخابرات لحظة عنه، وطاردوه باستمرار. "أنا رح إهتمّ فيك شخصيّا". هكذا وعده جميل السيّد في اتصال بعد أن شتمه. حتى مُنع قصير لسنوات عديدة من الظهور على الشاشة، وأُوقف برنامجه في تلفزيون لبنان.
اغتيل سمير قصير في 2 حزيران 2005 عن طريق قنبلة مزروعة في سيارته أمام منزله في الأشرفية. لم يكن سبب اغتيال سمير قصير سرًّا على أحد ولم يكن مفاجئًا على الساحة اللبنانية. ولو أن وقع اغتياله كان قاسيًا وصادما"، فاللبنانيون يعلمون جيدًا المعتدي والعدو. لكن التحقيقات والقضاء لم يقدما أيّ معطيات ونتائج جديّة وملموسة في حادثة اغتياله، كسائر اغتيالات شهداء ١٤ آذار. فإلى متى سيبقى القضاء محكومًا ومكبلًا، يحكم ولا يحكم بحسب سياسات وتدخلات الميليشيات والجهات المتحكمة بمفاصل الدولة؟ ومتى سينتهي اللبنانيون من تدخلات نظام أسدي سفاح قتله ولا زال يفتك به وبأمنه وباقتصاده في ظل العمالة والخيانة والانبطاح المستشري في الدولة؟