"ما أحلم به بسيط، بساطة الايمان بالغد. ما أحلم به، بلادٌ تنهل من اختلافاتها لتحولها مصدر قوة وتماسك. بلاد متحررة من قيود الأنانيات الطّائفية والعائلية. دولة تكون ملك المواطنين جميعاً، والمواطنين وحدهم، محصّنة بقضاء مستقل، وبتمثيل شعبي لا يرقى اليه الشّك. دولة لا تحبسها الطّائفية ولا المحسوبيات. مجتمع لا تقيّد حركته ولاءات مفروضة، ولا يحرس انقساماته عسس المخابرات، مجتمع يضمن تكافؤ الفرص بحريّته. ورشة وطنيّة للبحث في مستقبل الجامعة اللّبنانية والتّعليم الرسمي. قضاء متحرّر من التّدخلات السّياسية والمخابراتية. حكومة تجتمع فيها قدرة تمثيل مختلف الفئات اللّبنانية، وصفات اخلاقية جمهورية لا يرقى اليها الشّك، بالاضافة الى الفاعلية الادارية العصرية". - سمير قصير
وكأنّ الشّهيد سمير قصير يصف الوضع اللّبناني الحالي، أربعة عشر عاماً قد مرّوا على استشهاده ومازلنا نواجه المصاعب والمشاكل الّتي لطالما ناضل وحلم بتخطّيها.
فاختلافاتنا باتت مصدر لدمار علاقاتنا الاجتماعيّة لا مصدراً للقوّة والتّماسك والغنى، مما جعل المواطنين أسرى الأنانيّات الطّائفيّة والعائليّة. أصبحت كلّ فئة تطمح لتملّك وطناً على قدر طموحاتها، وطناً لها وحدها، وطناً فقير بالمواطنيّة غنيّ بالمحسوبيّة. كما وأنّ مجتمعنا تحكمه وتتحكّم به الولاءات العمياء الهوجاء الّتي تحدّ من تفكير بعض المواطنين الّذين باتوا مقيّدي التّفكير، يعلنون ولاءهم السّياسي المتعصّب الذي يمنعهم من النّقاش والجدال مع الاخر شريك الوطن، غير آبهين بمصير بلادهم بحال ساد نظام البربريّة وشريعة الغاب، لتنتصر عندها الدويلة على الدولة.
أمّا القضاء المستقلّ الذي حلم به قصير، مازال قيد الإنشاء لأن ورشة التّعقيم من جراثيم الفساد ما زالت في بداياتها. فهناك من يطمح لتثبيت إستقلاليّة القضاء وإسترجاع ثقة المواطنين به رغم وجود المعرقلين الّذين لا يريدون التّخلص من فكرة تحيز القضاء وصبغه لون معيّن وجعله لفئة معيّنة دون سواها.
والورشة الوطنيّة للبحث عن مستقبل الجامعة اللّبنانيّة والتّعليم الرّسمي الّتي تحدّث عنها سمير قصير، فتبيّن وكأنّها تفتقر للمعدّات والتّجهيزات. فجامعة الوطن اليوم مقفلة الأبواب وكأنّها قد أعلنت حدادها منذ أكثر من أربعة أسابيع فأصبحت حركة التّعليم والثّقافة شبه مشلولة. أمّا بالنّسبة للتعلّيم الرّسمي فحدّث ولا حرج، لأنّه يفتقر لعدّة عوامل أساسيّة على صعيد نوعيّة وأساليب التّعليم. فإلى متى سيبقى المواطن اللّبناني يستعطي علمه؟
وإذا أردنا التّطرّق إلى كلّ فكرة من أفكار مقولة الشّهيد سمير قصير، لن تكفينا الأيّام لتعداد مشاكلنا ومصاعبنا. فالواقع أليم والحلم بعيد. سامحنا يا أيّها الشّهيد لأنّ حلمك هذا أمسى كابوسنا اليومي، نخاف أن نحلم لأننا إعتدنا على حياة مأساويّة، نخاف التّغيير والمواجهة، سامحنا لأنّ البعض يغتالونك كلّ يوم أنت ورفاقك الشّهداء بحكمهم وتعصّبهم السّياسي الأنانيّ الذي لا ينبع من فكر وطني.
ولكن الحمد والشّكر لمن يصون فكر الشّهداء، ويقدّس الدّماء الّتي سالت على أرض الوطن. فهؤلاء متمسّكون بقضيّة كلّ شهيد من شهداء ثورة الأرز الّذين استشهدوا ليبقى لبنان وطناً مستقلّاً. وفي ظلّ كلّ هذه الفوضى الّتي تعمّ البلاد هناك من يعمل بكلّ صفاء ضّمير لإستكمال الحلم، الحلم بوطن مزدهر يليق بنا.
أربعة عشر عاماً قدّ مرّوا على إغتيال الصّحفي سمير قصير، اغتالوا الجسد متخيلين أنّهم سيسكتون الصّحفيّ الحالم وسيكسرون ريشة قلمه، ولكنّهم لم يعرفوا أن الرّوح تحيا يوم يقتل الجسد لتدخل وتسكن عقول وقلوب المواطنين الثّائرين. فتغدو عندها بدل القلم أقلام، وبدل الحلم أحلام.
حلمك يا سمير لم يمت، ولا بدّ أن يصبح يوماً حقيقة لترتاح أرواحكم أنتم الشّهداء.