حدد رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، في كلمته السنوية في قداس شهداء المقاومة اللبنانية، خارطة طريق المرحلة المقبلة. هذه المناسبة عزيزة على قلوب بيئة واسعة من اللبنانيين الذين يتطلعون إلى هذا الحزب بعين الرجاء والأمل لأنه أنقذ لبنان من المراحل الخطيرة والدقيقة في الحرب كما في السلم. ولولا هذه المقاومة اللبنانية، لكان لبنان قد أزيل عن الخريطة وتبدلت هويته وتعّر وجهه. وبالتالي، هذه المقاومة اللبنانية التي كانت عسكرية واستمرت حتى اليوم بنضالها السياسي، هي ثورة داخل المجتمع اللبناني وثورة على التقاليد والأعراف البالية، وثورة على كل ما يتصل بالممارسة السيئة والسلبية، وثورة من أجل حسّ المجتمع ليعبّر عن آرائه وأفكاره وممارسة دوره؛ ثورة تغييرية من أجل قيام الدولة اللبنانية بعيدًا عن الحروب الساخنة حينًا وباردة أحيانًا. هذه هي المقاومة التي ينظر إليها الرأي العام اللبناني بأنها الأمل والضمانة للبنان، لبنان الخالي من أي سلاح خارج الدولة، ولبنان الدولة السيدة المستمرة الحرّة، ولبنان المجتمع التعددي والحديث والمتطور. لذا هذه المناسبة هي لاستذكار مَن قاوم وسقط شهيدًا وناضل في سبيل لبنان، دفاعًا عنه وعن المجتمع اللبناني وعن لبنان الدولة السيدة.
هذه مناسبة الوجدانية هي أيضًا من أجل أن نستمد القوة من أولئك الشهداء لمتابعة مسيرتهم من خلال المناضل الأول سمير جعجع الذي ناضل على كل الجبهات ودخل الزنزانة بشكل طوعي من أجل أن يقدّم نموذجًا غير مسبوق في تاريخ لبنان وهذا الشرق ليذهب بالمواجهة إلى النهاية لإعلاء القضية اللبنانية وإيصالها إلى شاطئ الأمان.
حدّد جعجع خارطة طريق المرحلة المقبلة وفق إشكاليتين أساسيتين: تتصل الأولى بالسيادة حيث لا يمكن أن يستمر الوضع على هذا المنوال، وقالها بصراحة تامة أن لا يمكن لدولة أن تقوم في ظل من يستبيح الدستور ويستبيح السيادة وينتهك الاستقلال ويغيب الدولة، فيجب أن تستعيد الدولة قرارها وأن تستعيد دورها وتأثيرها وأن تكون هي المنظمة وصاحبة القرار لكل شيء.
أما الإشكالية الثانية، وفي ظل منظومة فاسدة تتبادل الأدوار هي ومَن يغيّب الدولة وقوتها السياسية التي باتت أولويتها الفساد وليس المواطن اللبناني، فتصبّ أولويتها في حصصها وليس حصة لبنان؛ إذ تكمن أولويتها في كل ما يتصل بأمورها ولو كان على حساب الوطن والمواطن. وبالتالي، يجب أن تعود الدولة إلى دستورها وقوانينها وقضائها ومؤسساتها من أجل أن تنتظم الأمور. أطلق جعجع صرخته في هذه المناسبة وتحديدًا بعد جريمة 4 آب التي نتجت من كل هذا الاستهتار وكل هذا الواقع الأليم الذي وصل إليه لبنان بفعل تغييب الدولة وبسبب المنظومة الفاسدة.
إلى جانب هذين العنوانين، أطلق جعجع جملة عناوين متصلة بحزب الله وسلاحه غير الشرعي ودوره وعودته إلى لبنان وتسليم سلاحه، وبالحالة العونية التي غطت حزب الله. كما ذهب بالإشادة بالبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الرعي داعمًا موقف الحياد وأهميته. وحدّد موقفًا واضحًا من الدولة المدنية التي يستخدمها البعض كأنّ لبنان دولة ثيوقراطية، فيما أن لبنان دولة مدنية بامتياز. وردّ وبشكل واضح على طرح المؤتمر التأسيسي ومن يريد عدم تطبيق الدستور، فالأولوية هي لتطبيقه وتسليم سلاح الميليشيات - والمادة واضحة في الدستور-. وهذا ما قاله جعجع بشكلٍ صريح وأوضح أنّ هناك من يريد الذهاب إلى أمرٍ آخر وأن يتجاوز الدستور بمشروع آخر فنحن لدينا مشروع يخدم الإنسان والمواطن والعيش في لبنان كامل ومتكامل.
كما شدد جعجع على أن حزب "القوات" هو أساس الثورة وأساس الثورة داخل المجتمع وأكثر من حسّ من أجل قيام هذه الثورة ومن أجل أن يتحمل المواطن مسؤوليته لأنه لا يمكن أن يحصل أي تغيير إلّا عبر المؤسسات والديمقراطية وصناديق الاقتراع.
وبالتالي، شكّلت هذه المناسبة وجدانية من جهة، وأدلت عمق كلام جعجع من جهة أخرى بخطابه الاستثنائي الذي حدّد فيه معالم عمل حزب "القوات" وسقفه للمرحلة المقبلة.