شببتم على محبّة قائدٍ لم تعرفوه، وفي هذا فضلٌ لكم كبير لأنّكم تلقّيتم عن أسلافكم ما أنتم تعتقدونه صواباً" قالها بالفم الملآن غبطة أبينا البطريرك مار نصرالله بطرس صفير رحمه الله يوم تجمع شباب "القوّات" بقلبٍ واحدٍ وشعارٍ واحدٍ، ينادون فيه قائدهم الحرّ في كلّ يوم.
"ولأنّ لا مصالحة وطنيّة من دون جميع اللّبنانيّين ولا مصالحة من دون سمير جعجع، ولأنّ لا قيامة للبنان من دون جميع أبنائه، أطلقوا سمير جعجع الآن من دون قيد أو شرط"، هكذا قيل في عهد الوصاية وفي أوج الحكم السياسي الخارجي الذي لجأ إلى كسر العنفوان في عمر الشّباب والشّابات. فطالب الشّهيد رمزي عيراني آنذاك بما كان يُعتقد مستحيلًا، لكن ما من أمرٍ مستحيلٍ عند خالق الخالقين.
وهذه كانت أيضًا كلمات سمير جعجع في إحدى جلساته عندما أعلن اتّكاله الكامل على المجيد، وهو الحاكم الأوّل الذي سيصنع العدل في آخر المطاف حتّى لو طال الانتظار. تسير الأيّام والعمر يمضي. أناسٌ ذهبوا وأناسٌ بقيوا. لقد كانت ١١ سنة أينعت فيها رؤوسًا، وكما يقول المثل "سيجيء يوم قاطفها".
١١ سنة كادت أن تكون مؤبّدة كوسيلةٍ لسّجانيه بهدف التمركز عاليًا والاستعانة بسياسات القمع والديكتاتورية، وإلغاء أشكال التّعبير عن الرأي والحريّة، مطمئنين بذلك أنّ الأنسان المقاوم الوحيد أصبح تحت سابع أرض. لكنّهم لم يتذكروا قوافل من مقاومين سلميين تسلحوا بالكلمة والصّوت، ويوازون قضيّة بأكملها.
سمير جعجع وإن دخل زنزانته بقرارٍ سياسي، سيعرفه التّاريخ بأنّه أكمل مسيرته النضالية من داخل مكانه. أوضح للعالم رسالةً أنّ ما من مكانٍ يصنع الإنسان أو يغيّره؛ فالأمكنة ليست سوى موضعٍ ينتقل بينها الناس الذين يسعون بدورهم إلى تحقيق ذواتهم وتحريرها من كافة القيود.
هكذا مرّت السنوات بشجاعةٍ تفوق الظروف والفكر. ومع بلوغ العام الحادي عشر وبعد مصالحةٍ جبلية، وفي ظلّ تحركات شبابية على نطاق البلد، دقّت ساعة الصفر في لحظةٍ أُعلنت من خلالها عودة الأمل، ويوم الخروج من الحريّة الصغيرة إلى الحريّة الكبيرة. أعلنت الإعلامية السّابقة والشهيدة الحيّة ميّ شدياق هذا الخبر بتاريخ ٢٦ تموز ٢٠٠٥، هنّأت فيه الوطن بموت الظلم وحلّ قيامة الوطن والحريّة. فثمّة من فقِدوا إيمانهم بالقيادة واعتبروا أنّ الروح بقيت مسجونةً وأنّ الحزب لن ينهض من جديدٍ. ولكن مع شروق الشمس، تحرّر من يحقّ له التحرّر، واعتُقل لاحقاً من يستحقّ. فأعاد القائد مع خروجه من السجن مؤسسة الوطن.
والجدير بالذكر أنّها العودة بأقوى من ما سبق. يوم الحريّة ليس سوى إشارة لانعطاف تاريخيّ ولمّ شمل العائلة الكبيرة التي بقيت متكاملة حتّى يومنا هذا. كما الحكايات، ما من نهايات، بل كلّ نهاية تعني البداية من جديد ومن بطولات حرب اصطفت فيها الأكتاف جنباً إلى جنب. اصطفت من جديد أكتاف متأهبة ونشيطة عملت منذ يوم العودة على لملمة الوطن وترميم الصورة المكسورة؛ مشروعها طويل أبدي تكمله الأجيال على صورة مؤسّسها ونظام قائدها. هذا الأخير تهاتف على الوفاء للأرض والإخلاص بالوطن مهما صعبت طريقه في العمل ومهما عاكسته الحواجز فتخطّاها. وتبعه من آمن بمبادئه في تدوين مقوّمات الدولة والجمهوريّة القويّة التي سيحلّ يومها مستقبلًا. وتقديراً لتضحياته وجرأته على صبّ جهده اللّامتناهي في حياته على الأرض تحت أنظر الشّهداء الأبرار، يبقى إكمال المسيرة أقلّ واجب وطنيّ وإنسانيّ يربط الإنسان بوطنه حتّى آخر نفس...