نيسان مظلوم
مساحة حرة APR 21, 2018

أحكي لنا عن تلك الأيّام المشؤومة العالقة في دوّامة الغضب، لم تكن صفحة الحرب مطويّةً بعد لأنّها أكملت بدفن شهداء كنيسة سيّدة النّجاة حيث تناثر الدّماء بين الحطام، والبكاء فوق القبور. هكذا كان المستهلّ، والضّحيّة الأكبر بعدها باتت غدراس لما تعرّضت من كوارث أضعفتها يوماً بعد يوم، لا سيّما حصارها في أحد الأيّام بغية حلّ الحزب، وسط الإعتقالات المتتالية من الرّفاق والرّفيقات بفعل كابوسٍ بدأ ولم ينته، وأصعبها اعتقال الرّاحل عنّا الرّفيق فوزي الرّاسي الّذي أنهكه التّعذيب بشتّى الوسائل وتناقصت قدرة التّحمّل لديه حتّى فارق الحياة في 20 نيسان 1994 مع العلم أن خبر موته لم يعلن مباشرةً.

إعتقالاتٌ بمثابة رسائل توجّه إلى رأس الحربة، كأنّها ضرباتٌ مدروسةٌ ترهقه، حتّى يدرك أنّ الضّربة القاضية ستكون من نصيبه وحده. تلك الأيّام الأخيرة لم تكتف شؤماً حتّى وصولنا إلى تاريخ 21 نيسان 1994. إنّه اليوم الّذي انحجب نور الشّمس عن قلعة غدراس، وما انفكّت الهمسات تتغلغل في أروقتها وصولاً إلى غرفة القائد، حيث أخبر السّتّ أنّ لحظة يدقّ الباب لم تعد بعيدة، وسيصطحبه جان سلّوم ورجاله معتقداً أنّ العودة حتميّةٌ ولا داعي للذّعر، لكن في داخله تذكّر أنّه مرّة نكر فيها وزارة العار اختاروا له زنزانة البراءة. وكانت ثغرة المساء هي المنعطف القاسي في سيرة الحزب، "نشوف وجهكم بخير"... "الله معك يا حكيم".

في ليلة سادها الهلاك، دخل فيها القائد مكبّل اليدين ومغطّى العينين يسير بين صرخات المعتقلين تحت الأرض وصيحات فوزي الرّاسي ما دامت تصدح في الغرف وفي مسامع قاتليه، ليشعر أنّه دوره حان في تحقيقٍ طويلٍ وتقهقرٍ متواصلٍ، لن يخلّصه منهما إّلا الصّلاة.

احتدّت غدراس إثر فراقٍ أزال أملها بالحياة والقوّة وأسكنها فراغاً شاسعاً عند طلّة المساء، راح شبابها يدقّون رؤوسهم بالجدران عساه أن يكون حلم، والنّساء تولولن لكن بكاءهم لم يرجع لهم أحداً. لم يبق للصّمود شريك إلّا رفيقة، وليست رفيقة الحزب قطّ بل رفيقة البيت، حملت وصيّة زوجها بمساعدته وعدم التّخلّي عن مسيرة المقاومة النّضاليّة حتّى في عهد الوصاية، وكانت وفيّة للوعود. تسابقت في اليوم التّالي مع طلوع الفجر لزيارة غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، أب المقاومة، والأخير هو من عرّفنا على "قائد رآه في وجوهنا" وبقي حريصاً على المساعدة والدّعم في إنقاذ القائد حتّى يومنا هذا.

21 نيسان 1994، دام هذا التّاريخ فينا لو لم نكن في ذاك التّاريخ، اعتقل رجلٌ خلف قضبانٍ لم تستطع الإغلاق عليه، اعتنق الأمل والصّبر حتّى تحقّق العدالة، علّمنا أنّ الشّرف والحقّ ينتصران على الباطل والذّل. وإن كانت المقاومة الوطنيّة بحاجة إلى من يحرسها في وجه الظّلم تاريخيّاً وجغرافيّاً، فكان الرّجل الّذي تغّلب على أسوأ الأنظمة هو الأنسب، رجل لقّبه الزّمان بالحكيم. أحكي لنا عن تلك الأيّام المشؤومة العالقة في دوّامة الغضب، لم تكن صفحة الحرب مطويّةً بعد لأنّها أكملت بدفن شهداء كنيسة سيّدة النّجاة حيث تناثر الدّماء بين الحطام، والبكاء فوق القبور. هكذا كان المستهلّ، والضّحيّة الأكبر بعدها باتت غدراس لما تعرّضت من كوارث أضعفتها يوماً بعد يوم، لا سيّما حصارها في أحد الأيّام بغية حلّ الحزب، وسط الإعتقالات المتتالية من الرّفاق والرّفيقات بفعل كابوسٍ بدأ ولم ينته، وأصعبها اعتقال الرّاحل عنّا الرّفيق فوزي الرّاسي الّذي أنهكه التّعذيب بشتّى الوسائل وتناقصت قدرة التّحمّل لديه حتّى فارق الحياة في 20 نيسان 1994 مع العلم أن خبر موته لم يعلن مباشرةً.

إعتقالاتٌ بمثابة رسائل توجّه إلى رأس الحربة، كأنّها ضرباتٌ مدروسةٌ ترهقه، حتّى يدرك أنّ الضّربة القاضية ستكون من نصيبه وحده. تلك الأيّام الأخيرة لم تكتف شؤماً حتّى وصولنا إلى تاريخ 21 نيسان 1994. إنّه اليوم الّذي انحجب نور الشّمس عن قلعة غدراس، وما انفكّت الهمسات تتغلغل في أروقتها وصولاً إلى غرفة القائد، حيث أخبر السّتّ أنّ لحظة يدقّ الباب لم تعد بعيدة، وسيصطحبه جان سلّوم ورجاله معتقداً أنّ العودة حتميّةٌ ولا داعي للذّعر، لكن في داخله تذكّر أنّه مرّة نكر فيها وزارة العار اختاروا له زنزانة البراءة. وكانت ثغرة المساء هي المنعطف القاسي في سيرة الحزب، "نشوف وجهكم بخير"... "الله معك يا حكيم".

في ليلة سادها الهلاك، دخل فيها القائد مكبّل اليدين ومغطّى العينين يسير بين صرخات المعتقلين تحت الأرض وصيحات فوزي الرّاسي ما دامت تصدح في الغرف وفي مسامع قاتليه، ليشعر أنّه دوره حان في تحقيقٍ طويلٍ وتقهقرٍ متواصلٍ، لن يخلّصه منهما إّلا الصّلاة.

احتدّت غدراس إثر فراقٍ أزال أملها بالحياة والقوّة وأسكنها فراغاً شاسعاً عند طلّة المساء، راح شبابها يدقّون رؤوسهم بالجدران عساه أن يكون حلم، والنّساء تولولن لكن بكاءهم لم يرجع لهم أحداً. لم يبق للصّمود شريك إلّا رفيقة، وليست رفيقة الحزب قطّ بل رفيقة البيت، حملت وصيّة زوجها بمساعدته وعدم التّخلّي عن مسيرة المقاومة النّضاليّة حتّى في عهد الوصاية، وكانت وفيّة للوعود. تسابقت في اليوم التّالي مع طلوع الفجر لزيارة غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، أب المقاومة، والأخير هو من عرّفنا على "قائد رآه في وجوهنا" وبقي حريصاً على المساعدة والدّعم في إنقاذ القائد حتّى يومنا هذا.

21 نيسان 1994، دام هذا التّاريخ فينا لو لم نكن في ذاك التّاريخ، اعتقل رجلٌ خلف قضبانٍ لم تستطع الإغلاق عليه، اعتنق الأمل والصّبر حتّى تحقّق العدالة، علّمنا أنّ الشّرف والحقّ ينتصران على الباطل والذّل. وإن كانت المقاومة الوطنيّة بحاجة إلى من يحرسها في وجه الظّلم تاريخيّاً وجغرافيّاً، فكان الرّجل الّذي تغّلب على أسوأ الأنظمة هو الأنسب، رجل لقّبه الزّمان بالحكيم.

مساحة حرة APR 21, 2018
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد