ليس الإنسان كائناً بيولوجيّاً فحسب. بل هو، كي يستحق صفة الإنسان، عليه أن يحافظ على سلوكيّة أخلاقيّة. فالكائن البشريّ حين يقتل وينهب ويغتصب أو يعتدي على الإنسان، يكون تلقائيّاً قد فقد صفة الإنسان وأضحى كائناً غرائزيّاً لا يفرق عن الحيوان إلّا بالشّكل البيولوجي. حين ينظر المجرم مباشرة إلى ضحيّته ويقوم بقتلها، أو عندما ترسو رصاصته سهواً في صدرها أو رأسها، يكون قد ارتكب الجرم نفسه، فالخسارة واحدة، شبّان وشابّات في ربيع عطائهم يسقطون من بيننا لا ذنب لهم إلّا بالتّواجد في المكان الخطأ، في الوقت الخطأ.
من الكسليك، إلى جبيل، إلى زحلة في الأسبوع الفائت، فصيدا اليوم، لا ينفكّ الغوغائيّون يفتكون بأقرباء لنا، وأصدقاء، زملاء أو معارف، فيفارقوننا دون حسبان، نودّعهم آملين بحلّ نهائيّ، فنستيقظ على وداع مفجع آخر.
هل لنا أن نصدّق أنّ الدّولة اللّبنانيّة تجهل الفاعلين، أو عناوينهم؟ نحن الّذين خبِرنا النّظام الأمني اللّبناني، والدّقّة في المعلومات لدى فرع المخابرات أو أمن الدّولة، والفعاليّة في الإستقصاء، فالملاحقة والإعتقال، طوال سنوات ولّت، هل لنا أن نصدّق أنّ هؤلاء نفسهم عاجزون عن القيام بأدنى واجباتهم لحمايتنا وإعادة ثقتنا المفقودة في هذه الدّولة، كما وفرض هيبتها وسيادتها؟ أم هي دولة على من شاء خيار الدّولة فقط ؟! هل لنا أن نعتاد فكرة قتلنا، دون حساب أو عقاب أو رادع، ودون رفّة جفن، على أيدي زعران تيبّست ضمائرهم بفعل الكبتاغون والكوكايين ؟ هل لنا أن نأخذ على عاتقنا مهمّة حماية أنفسنا، ونقوم بحمل السّلاح أيضاً؟ طبعاً لا، فالدّولة اللّبنانيّة ساهرة على تطبيق القوانين علينا. ليس قوّة منها، بل إيماناً منّا بها وبأهميّتها.
وإن لم تُطلق الرّصاصة مباشرة بوجه الضحيّة، فهي تُطلق في الهواء. "وبعد كل طلعة، في نزلة". هنا المشكلة الأكبر، فالقتل هنا ليس عن سابق تصميم، بل المجرم جاهل، تنقصه ثقافة بسيطة في علم السّلاح والفيزياء، وهي بديهيّة. خصوصاً حين يتعلّق الموضوع بالمعرفة بالسّلاح الّتي يتباهى بها اللّبنانيّون، و"عيب يعني معقول حدا ما بيعرف بالكلاشن" ؟ "بفرطو عالعمياني" ! عبارات تتردّد على مسامعنا شئنا أم أبينا، ولكن، لو علم البعض من هؤلاء بما هو بديهيّ، لأدركوا أنّ وزن الرصاصة، بفعل الجاذبيّة والإرتفاع الّذي تبلغه بفعل إطلاقها صعوداً، تسقط بسرعة وقوّة كافيتين لاختراق رأس الإنسان أو صدره والتّسبّب بمقتله.
هنا واجبنا نحن، قبل الدّولة والأجهزة الأمنيّة، في مناسباتنا، أفراح كانت أم أحزان، بالتّمتّع بالوعي الكافي، لمنع أهلنا، أقربائنا وأصدقائنا، من إطلاق النّار في الهواء، ولو اضطرّ الأمر أن نظهر بصورة الجبان أو المحافظ، لأنّنا بذلك نكون قد أدّينا واجباً أساسياً تجاه الإنسانيّة، وربّما أنقذنا حياة إنسان آخر.
لن نتهاون في توعية مجتمعنا على خطورة بعض العادات والتّقاليد المميتة، كما وسنتابع الضّغط على الأجهزة اللّبنانيّة، وحثّها على بسط سيطرتها وهيبتها على المخلّين بالأمن، وتطبيق القانون دون استثناء، واستحداث القوانين العصريّة الملائمة، لاستبدال القوانين المهترئة القديمة.
ولكن يبقى السؤال الأهمّ، كم من وداع أليم سيمزّق قلبنا بعد؟