لبنان ينتفض
مساحة حرة NOV 25, 2019

لبنان ينتفض

 

صدق قول سيّدنا البطريرك مار نصرالله بطرس صفير عندما وصف اللبنانيّين بأنّهم أبناء الحريّة ومن دون الحرية لا يمكنهم العيش. فمن ثورة الفلاحين عامي ١٨٥٨ و١٨٦٠ حتّى ثورة الأرز عام ٢٠٠٥، ناضل اللبنانيّون خلال محطاّتٍ تاريخية عدّة، بارزين شغفهم وعنفوانهم من أجل عيشةٍ كريمةٍ ووطن يطغى فيه مفهوم العدل على مفهوم شريعة الغاب.

 

أمّا اليوم، فنرى لبنان بحلّةٍ جديدةٍ وبلونٍ جديد، نرى لبنان العيش المشترك حيث كان أبناء جميع الطوائف مجتمعين حول مطالب إنسانية، حياتية اقتصادية واجتماعية. كما أننا رأينا أبناء الأمّة اللبنانيّة بصورةٍ بعيدة عن الإنماءات والولاءات الحزبية التي اعتدنا عليها خلال الدهور الماضية.

 

حمل تاريخ ١٧ تشرين الأوّل ٢٠١٩ ذكرى خالدة في حياة اللبنانيين، فحملت إعتصاماتهم عدة مطالب تتسلسل الواحدة تلوى الأخرى، تلك المطالب أتت نتيجة تراكمات عمرها أكثر من ثلاثين عاماً، وتراكمات الفساد والمحاصصة وسياسة السمسرات.

 

كان المطلب الأول واضحاً وضوح الشمس وهو إستقالة الحكومة، وإذ خاطب الرئيس الحريري اللبنانيين طالباً منهم السماح له بمهلة ٧٢ ساعة لإيجاد حلٍّ سريعٍ لجميع الأزمات. بقي اللبنانيّون في الشوارع خلال هذه المهلة وكان الرهان الأكبر من أهل السلطة على تعب المتظاهرين وفناء عزيمتهم على المقاومة.

 

مساء ١٩ تشرين الأوّل، عُقد الاجتماع الشهري لتكتل الجمهورية القوية ودام أكثر من ٦ ساعات، حيث اتّخذت قيادة "القوّات" قراراً حكيماً يرمي إلى سماع صوت الشعب، فأعلن الدكتور سمير جعجع إستقالة وزرائه من الحكومة.

إنتهت المهلة التي طالب بها الرئيس الحريري، وفوجئ اللبنانيين بالجواب عن عدم إستقالة الحكومة وإلتزامها بورقة إصلاحية "خنفوشارية" كانت فقط وضعت لإرضاء البعض علماً أن أغلب بنودها هي مستحيلة التطبيق. كانت هذه الخدعة واضحة أمام الرأي العام مما شعّل وتيرة الغضب لدى اللبنانيين، فاستكملت الإعتصامات وامتلت الساحات بالمعارضين على هذه الطبقة السياسية الفاسدة كما قطعت غالبية الطرقات من شمال لبنان حتى جنوبه وحتى المناطق البعيدة عن الساحل كالمناطق البقاعية وغيرها.

 

إنّ الخطاب الأول للرئيس عون والذي تلاه خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله اللذان لم يراعا مطالب اللبنانيين واكتفوا بالمطالبة بوقف الإعتصامات والقبول بالورقة الإصلاحية، عدى عن الطوابير الخامسة التي أرسلت من قبل بعض الأحزاب التي أدت إلى التعاطف الشعبي كبير بين المتظاهرين.

 

صمدت الانتفاضة وانتقلت إلى المرحلة الثانية وهي المطالبة بالقيام بالاستشارات النيابية وتكليف رئيس جديد، يرأس حكومة تكنوقراط غير حزبية مستقلة.

 

حتّى اليوم، انقضى شهراً على إستقالة الحكومة وأطلّ الرئيس في مناسبتين من دون ذكر موضوع الاستشارات النيابية، كما كاد المجلس النيابي أن يخرق الدستور عن طريق القيام ببعض التشريعات في ظلّ غياب الحكومة.

 

البعض اليوم يدّعي على أنّه لم يرسل له بعد أي وفد رسمي من قبل الحراك، ويعتبر أنّ هذا ما يعرقل الاستمرار بقيام الإجراءات اللازمة. فالأسئلة هنا تطرح، أليس من المعيب الاستخفاف بعقول الناس بتلك الحجج؟ ألم تصبح مطاليب شعبنا رنّانة بما فيه الكفاية حتى يدرك البعض ما هي المطالب؟ أم أنّ الوضع ازداد سوءًا، ولم يعد صاحب القرار صاحباً فعلياً لقراره حيث ارتهن للسياسات الخارجية؟

مساحة حرة NOV 25, 2019
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد