المسؤولية ليست شعارًا
مساحة حرة APR 15, 2021

اليوم الذي تبدأ فيه المسؤولية بالشعار الواسع وتنتهي بالتنصّل من النتيجة، لا بد من التّباين حول مفهوم هذه المسؤولية. أَيعقل بفعل المنطق أن نطرح أفكارًا وأحلاماً أوسع من دائرة قدراتنا، أم أن الهدف واحد ووحيد وهو الوصول إلى السلطة؟ هنا يختلف المفهوم.

بعد الجلاء السوري من لبنان، كثرت الشعارات السياسية الانتخابية والطموحات للوصول إلى السلطة؛ إنما دائمًا، ثمّة شعارات واعدة أبرزها "التغيير والإصلاح" الذي أتى على أنقاض مرحلة بحاجة إلى التغيير ومحاربة الفساد. غالبًا ما تكون الشعارات عسلية ومرصّعة بالذهب الأصيل، ورنانة تُناسب مسمع الجماهير وأحلامها. لكن العبرة تبقى، كيف تُترجم الشعارات؟ وهل من أحدٍ برز في سدّة البرلمان، كان أهلاً للمسؤولية نسبة إلى شعاره؟

الحقيقة أن هذا المهرجان السياسي المضخم قد استُهلّ بـ"التغيير والإصلاح"، لكنّه استُبدل اليوم بالشعار البديل "ما خلونا". باتت أقوالهم أشبه بمادة يرافع بها المحامي دفاعًا عن نفسه: "ما خلونا نأمن الكهرباء بطريقة مستدامة"، كذلك للخطة القضائية وللتدقيق الجنائي... وعند أي مساءلة تطرح عليهم في سياق مسؤولياتهم البرلمانية والوزارية، يكون الجواب "ما خلونا". عمليًّا عندما نطرح هذه النظرية، لا بد من إبراز المعادلة المنتجة لها ومكانة أصحابها.

بالعودة إلى أساس حجة "التغيير والإصلاح"، لا بد من لفت النظر إلى أن الفريق السياسي الذي تبنّى هذا الشعار قد تمكن من دخول البرلمان عام ٢٠٠٥ مع ٢٢ نائب تبنّى شعاره السياسي، إضافة إلى عقده لاتفاقية "مار مخايل" والمشاركة في الحكومات المتعاقبة منذ ذاك العام، وحصرهم في وزارة الطاقة والخارجية والوزارات السيادية التي تعتبر من حصة المسيحيين.

منذ عام ٢٠٠٨، أي منذ حكومة فؤاد السنيورة الثانية حتى يومنا هذا، لا تزال وزارة الطاقة في حوزتهم، إضافة إلى تمتعهم بالأكثرية في البرلمان منذ عام ٢٠١١، وصولًا إلى عام ٢٠١٦، يوم انتُخب ميشال عون رئيسًا للجمهورية بعد سنتين ونصف من الفراغ الرئاسي. كما تطلّبت حكومة العهد الأولى القائمة على التسوية تسعة أشهر للولادة، ومن خلال عملية حسابية بسيطة، ندرك أن الثلث المعطل قانونيًا، من حصة خط "التغيير والإصلاح" وحلفائه، وهو حكمًا الخط الداعم للعهد الذي تمسك بشكل خاص بوزارة العدل واهمًا الشعب بإصلاح القضاء، فأسفرت الانتخابات النيابية عام ٢٠١٨ عن أكبر كتلة نيابية داعمة للعهد، ومؤلفة من ٢٩ نائبٍ دون الحلفاء الاستراتيجيين، إضافةً إلى الوقت الميّت الذي تمّ هدره لتشكيل حكومات تلبي مصالحهم، وذلك طبعًا دون إبهام النّظر عن المديرين العامين والقضاة وموظفي الدرجة الأولى الذين يُعيّنون بقرار حكومي. وبالتالي، العصمة بيد "التغيير والإصلاح".

يسمح طرح هذا الواقع بشكل مبسط بإدراك موقع فريق "التغيير والإصلاح" في اللعبة السياسية اللبنانية، حيث أنه لاعبًا أساسيًا ابتكر قواعد اللّعبة بسياساته التحالفية التي أرست ميزان القوى نحوه. وبذلك برزت المقومات الداعمة له، بشكلٍ خاصّ في ظل "العهد القوي"، وذلك بغية تنفيذ مشروعه، لكن العنوان تبدّل وأصبح "ما خلونا نشتغل"، دون أي نتيجة واقعيّة في ظل امتلاكهم للموقع الرئاسي الأوّل، وما ترافق معه من مواقع حكومية برلمانية وازنة، مرتبطة بتحالفاتٍ وتعييناتٍ من المستوى الرفيع. بما أنّهم "ما خلّوكن"، لماذا أوقفتم الحياة السياسية سنتين ونصف لتبوّء السلطة، وعرقلتم على امتداد أشهرٍ طويلة تشكيل الحكومات لتتناسب ومشروعكم؟ لماذا هنا "خلوكن" وهناك "ما خلوكن"؟

أخيرًا، ما من تفسير منطقي للتناقض القائم بين الشعار والحقيقة، إنما التناقض بحد ذاته ليس غريبًا عنكم. إنّ التنصّل من المسؤولية يعني انعدامها، ومن أبقى نفسه في موقع المسؤول من دون نتيجة فبقائه جريمة. وعند البحث في هذه السياسات المتّبعة، نرى أنفسنا أمام وطن ينهار وشعب بات ينقب عن لقمة عيشه، بدلًا من أن ينقب عن نفطه. إن كان الهدف السلطة، فها إنكم تفترشونها وتوظفون قدراتكم حفاظًا على كراسي مهترئة. ولو أن الهدف الإصلاح، فكيف للمتحكم أن يمنع نفسه؟ ثمة قول يفسّر نظرية مؤامرة "ما خلونا"، فإن الذي يعيش في القعر من الطبيعي أن يعتقد أن ما يسقط عليه من الأعلى يستهدفه. وإن الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو ربط الحرية بالمسؤولية فقال: "لا حرية من دون مسؤولية"، ومن يتنصّل من مسؤوليته بحجة "ما خلونا"، فلا يزال مقيّدًا ولم يتحرر بعد.

مساحة حرة APR 15, 2021
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد