بطريرك الحرية
مساحة حرة MAY 12, 2021

12 أيّار 2019، تاريخ سيبقى في ذاكرة اللبنانيّين على مدى الأجيال. ففي هذا اليوم انتقل أحد أعظم بطاركة لبنان والشرق إلى الأحضان السماوية. وهو ليس بطريركًا فحسب، بل إنّه لبناني أحبّ وطنه كما أحبّ الله، وجاهد في كل فترة بطريركيّته على تحرير وطنه وشعبه. حمل قضية شعب "قادر على إحراق الشرق إن أحرقوا أصابعه، وقادر على إنارته إن تركوه على حريّته". جاهد في سبيل الحريّة وحدها؛ الحرية التي تساوي الآلاف والآلاف من الشهداء، إلى أن ساهم في استقلال لبنان من الاحتلال السوري عام 2005. إنّه البطريرك مار نصر الله بطرس صفير.

أعجبت مواقفه ومبادئه الوطنيّة الكثير من الناس محليًّا وعالميًّا، لكنّها أزعجت البعض الآخر، ذوي المبادئ اللاوطنيّة التي لا تتلاءم أبدًا مع هذا البطريرك العظيم. فكيف استطاع إزعاج هذا البعض؟ وبعد سنتين على انتقاله من هذه الأرض، هل بقيَت قضيّته على قيد الحياة؟

في 7 أيّار 1986، انتُخب المطران نصر الله صفير بطريركًا على إنطاكيا وسائر المشرق، فمجد لبنان أُعطي له. امتدّت فترة بطريركيّته 25 سنة تكلّلت بمواقف لا زالت وستبقى عالقة في الوجدان اللبنانيين والعالم. فتسلّم في أواخر سنوات الحرب اللبنانيّة، وتحديداً خلال القتال المسيحي – المسيحي الذي حاول مرارًا منع حدوثه وحاول وقفه، إلى أن قبِل باتّفاق الطائف الذي أنهى الحرب رسميًّا بعد 15 عامًا من القتل والدمار. فأزعجت هذه الخطوة بالذات رئيس الحكومة الانتقالية العسكريّة آنذاك الماروني ميشال عون. أمّا خلال الوصاية السوريّة، فأزعجَ سوريا في كلّ هذه الفترة، ووقف دائمًا إلى جانب مناصري حزب القوّات اللبنانية الذين كانوا يتعرّضون للظلم والقمع، كما طالب بإخلاء سبيل قائدها سمير جعجع. ومن أهمّ المواقف التي اتّخذها هي المطالبة بانسحاب الجيش السوري من لبنان، لا سيّما بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب.

لاقى هذا الموقف اعتراضًا شديدًا عند الأطراف المؤيّدين لسوريا في لبنان، أو حتّى "عملاء" سوريا، وقد قال مرّةً البطريرك صفير إنّ "ليس لسوريا حلفاء في لبنان وإنّما عملاء". وشكّل بيان المطارنة الموارنة عام 2000 بداية النهاية للاحتلال السوري، وأدّى لانعقاد لقاء قرنة شهوان ومن ثمّ لقاء البريستول حيث تشكّلت 14 آذار، الجبهة التي حرّرت لبنان من الاحتلال السوري وأخرجت جعجع من السجن بعد 11 عامًا في الاعتقال. ومن أبرز مواقفه أيضًا، مصالحة الجبل التي عزّزت العلاقات المسيحية – الدرزية من جديد، بعد أن كانت قد قُطعت منذ 18 سنة تقريبًا.

أمّا اليوم، فالبطريرك مار بشارة بطرس الراعي مستمرّ على النهج نفسه والقضيّة نفسها. إذ كافة المواقف التي يتّخذها البطريرك الراعي تجاه الدويلة والسلاح غير الشرعي والحياد والمؤتمر الدولي، لا تهدف إلّا إلى تحقيق رفاهيّة لبنان ومصلحته. فكما أزعج البطريرك صفير الكثير بسبب مواقفه، كذلك يُزعج البطريرك الراعي الكثير أيضًا. كما يضمن وجود حزب القوات اللبنانية على الساحة اللبنانية، استمرار هذا النهج الذي بلغ عمره آلاف السنوات بهدف إبقاء هذا الشعب في هذه البقعة من الأرض حرًّا.

إنّنا اليوم، وفي ظلّ الأزمات الداخلية التي لا تنتهي، نتمسّك أكثر بكلمات البطريرك صفير، إذ نحمل صليبًا ثقيلًا، لكنّ "الصليب لا يبقى صليبًا إلى النهاية، إنّه يتحوّل قيامة. صليب لبنان ستكون قيامته"، "ومن حمل وطنه في قلبه وإرادته، فمهما توالت عليه الويلات والمحن فإنّه حيّ". وينبغي علينا اليوم أن نتحمّل هذا الصليب مهما كان ثقيلًا، إذ عاجلًا أم آجلًا سيتحوّل إلى قيامة.

مساحة حرة MAY 12, 2021
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد