تغيّرت نكهة العيد هذا العام. عيد حلّ من جديد ليبشّر بأن بعد كلّ عاصفة هدوء. عيد ليحتفل فيه الأبناء بأمهاتهم وتضحياتهن، عيد ليشكروا من كنّ لهم المضجع قبل أن يبصروا النور، عيد ليقبّلوا الأيادي التي تعبت وتجعّدت حتّى كبروا. فهنيئًا لكل الأمهات في عيدهنّ.
لكن، ها هو عيد الأمهات يطرق الأبواب مجددًا، ليؤلم قلوب أمهات أربكهنّ البكاء. عاد العيد بحلته المضيئة وأجوائه الربيعية، إلّا أنّه لن يبشّر بربيع للبنان، ولا بتفتّح براعم التحقيق الجدي. وكيف لأمهات شهداء الرابع من آب أن يحتفلن بمناسبتهن السعيدة، وأرواح أبنائهن تتخبّط بين التراب؟ الحق كل الحق، لن يبلسم جراحهن شيء، إلّا أنهنّ إن اهتدَيْن لحقيقة من سلب النور من أعين أطفالهن، قد يسكت أنينهنّ وينمنَ هادئات!
ثمة أمهات ما زلن يعشن على أمل أن يعود أولادهن يومًا ما، وينتظرن أن يستيقظن من الكابوس الذي ما زال جار منذ ما يناهز العام. حتى اليوم، لم يسفر عن المبادرات في ملف المرفأ أيّة نتائج جدية، من شأنها أن ترد السكينة لتلك المسكينات. حتى اليوم، لم يُعتقل مسهّل، ولا قُبض على متورط، ولا زُجّ فاعل خلف القضبان. حتى اليوم، ما زالت بعض أمهات الشهداء في حالة نكران، وينتظرن خلف الستائر أن يعود من غادر البيت إلى المجهول؛ وبعضهن الآخر، أي اللواتي تخطيْن الإعصار وتقبّلن، فلن يغفرن لكم إجرامكم، ولن يسمحن بأن تجفّ دماء الشهداء الأبرياء من دون عدالة!
"أما أنت يا أم الشهيد، فمهما قلنا وقلنا، لا يدرك ما في قلبك إلّا أنت وهو". عذرًا، لأنّ ابنك يحتفل بعيدك من عالم الغيب. عذرًا، لأنّ الورود التي كان سيهديك إيّاها، تحوّلت إلى زنابق ستكلّلين صوره بها. عذرًا، لأنّك أنجبت إلى هذه الدنيا روحًا فتكت بها سلطة حاكمة متقاعسة ومتورطة. عذرًا، لأنّ الأيادي التي تلطخت بدماء ابنك، لم تُقطع حتى الساعة. اعلمي يا أم الشهيد أنّنا لن نسكت عن المأساة التي حلّت بابنك وبك. اعلمي أن حناجرنا ستبقى حتى الرمق الأخير تنادي بصوتك وتطالب تحقيق العدالة بحرقتك وتنهداتك. اعلمي أن أرواح رفاقنا الشهداء ستبقى هائمة لا محالة في بيوت المرتكبين، تسلب منهم سكينة العيش حتى يُحاسبوا.
أعاده الله على كل الأمهات بالخير والصحة، وعسى ألّا يحمل عامكن الجديد سوى الأخبار المفرحة والبشائر الحسنة، وليرحم الله أمهات التقين بالذين غابوا وصرن الملائكة الساهرة على هذا العالم.