"شببتم على محبة قائد لم تعرفوه"
جملة قالها البطريرك صفير عن الدكتور سمير جعجع والقوات اللبنانية، هي جملة واقعية بالنسبة للكثير منا، فطيلة فترة سجن الحكيم كان حزب القوات اللبنانية صامد في مواجهة الكثير من الظروف القاسية، على صعيد مسؤولين، طلاب وأولاد.
أجيال ترعرعت على محبة هذا القائد دون أن تعرف عنه شيئاً غير خياراته السياسية وخياره الذهاب إلى السجن فدائاً لقضيته.
في ال ٢٠٠٦ أشرقت شمس حرية الحكيم وتحقق مطلب وحلم كلّ فرد في "القوات اللبنانية"، أصبحت لدينا الفرصة الأكبر للتعرف على هذا القائد الذي لم نعرفه يوماً.
مواقف كثيرة منذ حينها حتّى الآن للدكتور سمير جعجع هزت التاريخ وجعلت منه حدثاً بحدّ ذاته.
"سلام على من يحب السلام وسلام ايضاً وايضاً على من لا يحب السلام، في هذه المناسبة الجليلة وبقلبٍ متواضعٍ وصافٍ وبكل صدقٍ وشفافية وأمام الله والناس، أتقدم باسمي وباسم أجيال المقاومين جميعاً شهداء وأحياء باعتذارٍ عميقٍ عن كلّ جرح أو أذية أو خسارة أو ضرر غير مبرر تسبّبنا به خلال آدائنا لواجباتنا الوطنية طوال مرحلة الحرب الماضية". هذا النّص كان من ضمن خطاب الحكيم خلال قداس الشهداء في ٢١ / ٩ / ٢٠٠٨. كانت هذه الخطوة الفريدة من نوعها والتي لم يقم بها أحد آخر، بأن يتحمل طوعاً ويعتذر عن أخطاء غيره، حقاً حيث لا ولم يجرؤ الآخرون.
كما أن هذه الخطوة الجبارة، زادتنا ثقة ومحبة بهذا القائد الإستثنائي المملوء بالإيمان والقيم الإنسانية.
بعد ثماني سنوات من إعتذاره الشهير، وبالرغم من الخصومة الكبيرة مع التيار الوطني الحر برئاسة ميشال عون آنذاك، في تاريخ ١٨ / ١ / ٢٠١٦، وبعد مرحلة طويلة من اللقاءات الثنائية بين ممثلي "القوات" و"التيار"، توّج سمير جعجع المصالحة التاريخية بين "التيار" و"القوات" في معراب وتبنى ترشيح ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ما شكل إرتياحاً كبيراً في الشارع المسيحي الذي كان يشهد الكثير من الخلافات السياسية بين الفريقين والتي كان يصل بعضها الى مشاكل فردية وجماعيّة في الشوارع والجامعات.
هذه المصالحة التاريخية التي حرص سمير جعحع على إنجازها وترسيخها بتأييد ترشيح عون للرئاسة، حولت الشارع المسيحي الى مساحة قابلة للحوار والتعايش والإلتقاء مع شركاء البيت الواحد.
بدأت اللقاءات مع تيار المردة بعد خروج الحكيم من السجن في مسعى لتلافي الصدامات على الأرض والتي ذهب ضحيتها عدد من الرفاق ومن عناصر "المردة".
وبالرغم من التباعد في النظرة السياسية الإستراتيجية، حرص الحكيم على إستكمال المفاوضات مع "المردة" للوصول الى الغاية المنشودة، وهذا ما حصل في بكركي في ١٤ / ١١ / ٢٠١٨، حيث إلتقى الطرفان بحضور البطريرك الراعي في تتويج اللقاءات السابقة لوضع حدّ لفترة طويلة من الخصومة الحادة، وإنعكس اللقاء إرتياحاً كبيرأ في الشارع المسيحيى اللبناني عموماً والشمالي خصوصاً.
كما تخللت أيضاً الفترة التي تلت خروج الحكيم من السجن محطات أخرى لا تقل أهمية عن المحطات التي ذكرناها، ومنها على سبيل المثال، دوره القيادي في ١٤ آذار خصوصاً في فترة نفي الحريري الى الخارج، ودوره في ٧ أيار حين خرق الطوق الأمني المفروض من حزب الله وزار السراي الحكومي وقصر قريطم في دعم مباشر ضد الحملة العسكرية التي كان يقوم بها الحزب.
كل هذه المواقف على مدى السنين منذ ٢٠٠٥ حتى اليوم، سمحت لنا بالتعرّف على هذا القائد وترسيخ محبتنا له الّتي لطالما شببنا عليها.
لقد ساعد الحكيم الأجيال الصاعدة ونحن منها، في تخطي حواجز كبيرة وكثيرة كانت تشكل لنا رادعاً أو عاملاً سلبياً في حياتنا اليومية مع إخوة لنا في الوطن وحتى في البيت الواحد، وهذا ما جعلنا نزداد عزماً وإصراراً في إلتزامنا وعملنا الحزبي، بعد أن كنا نواجه الكثير من العوائق في طريقنا.
وبناءً على كل ما ذكرنا، نقول لك، حكيم، أن مواقفك المسؤولة والوطنية تجاه شعبك ووطنك جعلت منك إنساناً نادراً في وطن مليء بأشباه الرجال، رجل جعل التاريخ يرتجف من رجولته وإقدامه وشجاعته.